ما الدليل على سنة تقديم الرجل اليمنى في دخول المسجد؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
جمهور العلماء على أن دخول المسجد يكون بالرجل اليمنى، واستدلوا على هذا بحديث عائشة في الصحيحين: "كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله"(1)وهذا له روايات عند مسلم(2) وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب التيمن في دخول المسجد وغيره(3)، وهذا من فقه البخاري العظيم -رحمه الله- وله بنحو هذا إشارات إلى استنباطات واضحة بينة من أدلة عامة، لا نحتاج إلى تكلف دليل آخر، وهذا واقع في تراجمه، وهذا واضح حينما ترى عائشة رضي الله عنها ذكرت أنه يعجبه في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله، ذكرت أمورًا من أمور العادات، وذكرت أمورًا من أمور العبادات، ثم عممت تعميمًا يعود على ما اعتاده على ما كان من أمور العادات وما كان من أمور العبادات في تنعله وترجله، التنعل (أمرٌ معتاد) والترجل كذلك، يعني قصدي أنهم من باب الزينة، كذلك اللباس هو من الأمور التي تشبه الأمور الجبلية لكن قصد التنعل باليمين هذا أمرٌ مشروع، كذلك الترجل. يدل عليه ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إذا انتعل أحدكم، فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال لتكن يمنى أوله تنعل، وآخرهما تنزع»(4)، هذا نص على التنعل باليمين.ثم عائشة نصت على الطهور وهذا ورد في التيمن في الطهور البدائة ، باليد اليمنى وكذلك البدائة بالرجل اليمنى فيما كان فيه شيئان، أما ما كان شيئًا واحدًا عضوًا، ما كان عضوًا واحدًا كالوجه، هذا يبدأ جميعًا، وربما باليمين أحيانًا مثل (الغسل).الغسل يبدأ بالشق الأيمن، ولكن لما كان غسل الوجه يشرع أن يكون جميعًا فإنه يغسل مرةً واحدة، أو جميعًا، ولا يخص هذا وهذا؛ ولأن هذا أيضًا فيه مشقة، وربما يكون فيه ضرر خلاف الغسل يتأتى بلا مشقة، وهذا يبين عناية الشارع في أمر اليمين، ويدل له أيضًا حديث أبي هريرة عند أبي داود والترمذي.أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إذا لبستم فابدءوا بميامينكم»(5).وهو عند الترمذي: كان إذا لبس قميصًا بدأ بميامينه، واختلف في أي الروايتين هل هو من فعله، أو من قوله؟ وعلى كل حال حجة قائمة، إذا لبستم فابدءوا بميامينكم، فتتبع الأدلة يدل على أن اليمين مشروع في شأنه كله، كما قالت عائشة، فإذا كان هذا من باب اللباس فما كان مشتمل على عبادة، أو كان في وجه قربة ظاهر مثل دخول مسجد، فيكون أولى كذلك الدخول للبيت، والعكس الخروج من المسجد الخروج من البيت، الدخول للخلاء والخروج من الخلاء فهذه من شأنه عليه الصلاة والسلام.لكن عائشة -رضي الله عنها- لم ترد أن تسرد هذا كله، ذكرت نموذجًا فيفهم منه ما سوى ذلك، ويدل عليه أيضًا أن البخاري رحمه الله بعدما ذكر هذا الخبر في هذا الباب، ذكر عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى.والحافظ رحمه الله يقول:لم أرى من وصله ، لكن جزم به البخاري، وعلى طريقة كثير من أهل العلم، أن ما جزم به البخاري، فهو صحيح، وكذلك أيضًا ما رواه الحاكم بسندٍ جيد بل قد يحكم بصحته من رواية شداد بن أبي طلحة شداد بن سعيد الراسبي عن معاذ بن قرة عن أنس رضي الله عنه أن أنس رضي الله عنه قال:«من السنة إذا دخل أحدكم المسجد أن يبدأ باليمنى، وإذا خرج أن يبدأ باليسرى»(6)، وهذا حديثٌ جيد مرفوع، وأبو طلحة لا بأس به من رجال مسلم شداد بن سعيد، وهو إنما تكلم في بعض المتأخرين، وهم قلة. أما المتقدمون الكبار فكلهم وثقوه، وهذا من رجال مسلم، مثل هذا على طريقة بعض أهل العلم، بل هو واضح لا يلتفت إلى من تكلم فيه من المتأخرين حينما وثقه المتقدمون الكبار، خاصةً أن فيه أئمةً كبار، وهو لم يروي شيئًا منكرًا، ولم يروي شيئًا غريبًا إنما روى شيئًا دل عليه الدليل كما تقدم.ثم أيضًا دخول المسجد إذا نظرت يشرع عند الذكر القولي، فشرع أمران:- سنةٌ فعلية. - وسنةٌ قولية. هذا يبين أن دخول المسجد له شأن، فيشرع للإنسان عند دخول المسجد أن يقول: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ» هذا عند مسلم، من رواية أبي أسيد، وأبي حميد(7). وجاء زيادة صحيحة عند أبي داود، قال: كان إذا دخل أحدكم فليسلم على النبي ،وليقل: اللهم افتح أبواب رحمتك(8) وجاء من حديث أبي هريرة بسندٍ صحيح: ذكر السلام عند الدخول وعند الخروج (9)، وجاء أيضًا عند ابن ماجة بإسنادٍ صحيح عند الخروج: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم(10)،وجاء عند أبي داود بإسنادٍ جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أعوذ بالله العظيم ووجه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم عند الدخول. (11) فهذه الأذكار المشروعة عند الدخول تبين أن الإنسان دخول المسجد له شأن، فله على أنه عبادة خاصة، فإذا كان نفس الدخول إلى المسجد عبادة خاصة، فمن ذلك أيضًا التأدب بالدخول بالرجل اليمنى، واليمنى لها فضلها واليمنى أشرف من اليسرى، ولذا كان يمين الإنسان أفضل من شماله، ومن كان عن يمينه، أولى ممن كان عن شماله، يعني سن أنه لو كان جالس وقدم له الشراب، فليبدأ يعطي من على يمينه، كما في الأخبار الصحيح(12) الإنسان يساعد من حديث أنس، فكذلك أيضًا شق الإنسان الأيمن، فاليمين له شأن، ومن ذلك الدخول للمسجد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (168) ومسلم (1159(.
(2) أخرجه مسلم (67) (268(.
(3) انظر صحيح البخاري حديث رقم (168).
(4) أخرجه البخاري (5856)، ومسلم (2097)
(5)أخرجه أبو داود (4141) والترمذي (1766) وابن ماجة (402) وأحمد (8438).
(6) أخرجه الحاكم (1/ 338)، (791) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(7) أخرجه مسلم (713).
(8) أخرجه أبو داود (465).
(9) رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" أخرجه مسلم (713) وأبو داود (465)، والنسائي 2/ 53، والنسائي في "الكبرى" (810)، وابن ماجه (772)، وأخرجه أحمد (16057)، وابن حبان (2048) .
(10) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة "90"، وابن ماجة "773" في المساجد: و ابن السني "86" والحاكم 1/207، ومن طريقه البيهقي 2/442 ابن أبي شيبة 1/339 و10/406 عن أبي خالد الأحمر، وعبد الرزاق "1671"
(11)أخرجه أبو داود (466).
(12) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟»، فَقَالَ الغُلاَمُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ
أخرجه البخاري (2451) ومسلم (2030(.