يقول السائل : ما حكم الانحناء لتقبيل قدم الأم، وهل هناك فرق إن كانت جالسة أو واقفة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
تقبيل القدم واليد هذا وقع فيه خلاف، وجاء فيه آثار. والذين منعوه في الحقيقة فسروه وبينوه، والأظهر والله أعلم كما اختار الجماعة وكثير من السلف والمنقول عن الصحابة، ونقل أيضاً في جزء أبي بكر رحمه الله في آثار كثيرة، فيها الضعيف وفيها الجيد عن الصحابة رضي الله عنهم في تقبيل اليد وتقبيل القدم في وقائع معروفة، وجاءت في هذا آثار وجاء في السنة أخبار ضعيفة في هذا الباب، منها حديث صفوان بن عسال في قصة اليهودي الذي جاء للنبي عليه الصلاة والسلام وسأله سؤال، ثم في آخر الحديث قال فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ. وهو من طريق عبد الله بن سلمة وهو عند الأربعة أيضاً(1)، وجاء أيضاً أن كعب بن مالك قبل ركبة النبي عليه الصلاة والسلام لما تاب الله عليه(2)، وجاء أيضاً حديث بريده عند الحاكم أن أعربي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله آية، فأشار إلى أن يدعو تلك النخلة أو ذاك العذق وفيه أنه دعا ثم يرجع وفيه أنه قبل يدا النبي ورجله(3) وعن طريق صالح بن حبان رواه الحاكم في المستدرك وفيه ضعف، والأخبار في هذا جاءت مرفوعة وموقوفة، وأهل العلم قالوا أو من فصل في أهل العلم قالوا إن كان تقبيل اليد أو تقبيل الرجل من باب الإكرام لفضله إما لكونه والد أو والدة أو لكونه عالماً، ليس المقصود الإكرام من أجل الدنيا أو إلى شرف الدنيا أو نحو ذلك، إنما المقصود الإكرام لأمر أخروي من العلم والفضل، وكذلك أيضاً من الإكرام المتعلق للوالدين وحق الوالدين أعظم قالوا لا بأس، وعلى هذا إذا كان لا بأس به فالمقصود حينما ينحني لا يقصد بذلك ركوع السجود، وهذا واضح؛ لأنه لا شك أحياناً حينما يريد أن يقبل اليد أنه ينحني ومثل هذا إن فعل إنسان هذا بقصد التعظيم حرام وإن لم يقبل، وكذلك أيضاً حينما ينحني أكثر في حال تقبيل القدم فالأعمال بالنيات والقصود في هذا معتبر، ولهذا مادام القصد هو تحصيل هذه هذا المعنى بل هي عبادة عند بعض أهل العلم من جهة أنها تكريم، بل في حديث بن معاوية بن جاهمه في قوله عليه الصلاة والسلام:" ألزمها فإن الجنة تحت قديمها(4)، حديث صحيح. أخذ بعض العلماء منها أيضاً تقبيل القدمين في قوله فإن الجنة تحت رجليها، فقال تقدم هاتان القدمان اللتان الجنة، يعني أنه طريق الجنة والوسيلة إليها والطريق إليها وبر الأم من ذلك، بأن يذل لها ويكون عند قدميها، ومن ذلك تقبيل قدميها وإذا انحنى لأجل ذلك فلا بأس والأعمال بالنيات، وهو قد علم بأن لا ارتباط بين الانحناء والتقبيل، فالانحناء حرام والسجود أعظم وأعظم، فهو حرام بل إذا سجوده على جهة العبادة فإنه يكون شركاً وكفراً، فعلى هذا النية هي المعتبرة في هذا. والإنسان ربما أحياناً يعمل أعمال مثل التمارين الرياضية ويكون مدربه أمامه فينحني، مثلا يأمره المدرب بأن يفعل كذا، وهذا لا بأس به، وإنما يقال أن انحناءه هذا لا يجوز لأن مقصوده هو التدريب، فدل على أن مجرد الانحناء لا حكم له، إنما الحكم متعلق بالقصد في هذا، وقد علم إنه لا يتيسر له تقبيل القدم إلا بالانحناء، وكذلك أيضاً حين تقبيل اليد يكون بالانحناء اليسير فلا يظهر فيه شيء، لكن ربما يقال لا ينبغي الإكثار منه يكون على سبيل التكريم، إلا إذا كان الوالد أو الوالدة يرغب من ابنه ذلك، فإنه لا بأس في ذلك، حتى إن كان مكروه عند بعض أهل العلم فإنه زالت الكراهية في هذه الحال، نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي (2733) ، والنسائي (4078)، وابن ماجة (3705) وهو في "مسند أحمد" (18092). ، والحاكم 1/52 ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: وقال: صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه، ولم يخرجاه.ووافقه الذهبي!
(2) رواه ابن حبان في صحيحه. وانظر الدر المنثور (4/314(
(3) أخرجه الحاكم 4/190 ، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وقال الذهبي: بل واه .
(4) أخرجه النسائي (6/11) وابن ماجة (2780) وهو في "مسند أحمد" (15538).