كيف تنال البركة في الوقت؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
البركة في الوقت تنال بالتقوى، وطاعة الله -سبحانه وتعالى- كما جاء في الأدلة في الكتاب والسنة، كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾[المائدة:65] ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[الأعراف:96]، وقال -سبحانه-: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾[المائدة:66]. وجاءت الأخبار عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا المعنى كما في الصحيحين في الحديث حينما ذكر أن الإنسان إذا نام، فإن الشيطان يعقد عليه ثلاثة عقد ويقول: عليك ليلٌ طويل، فارقد، الحديث .. وفي آخره أنه -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه إذا قام وتوضأ وذكر الله -سبحانه وتعالى- فانحلت عقده كلها، قال: «فأصبح نشيطًا طيبًا نفسه، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»(1).ولا شك أن طيب النفس ونشاطها تكون معه البركة في الوقت، والبركة في المال، والبركة في الأهل والولد.
وقال -سبحانه-: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾[نوح]. ففيه أن الاستغفار له أثره في البركة، كما تقدم أن التقوى من أعظم أسباب البركة في الوقت، وهذا يكون بالعمل بالسنة والعلم، ولما جاءت الأخبار كثيرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في رفع العلم ذكر معها تقارب الزمان، وقال -عليه الصلاة والسلام-:«لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم»(2)، وقال: «يظهر الجهل ويتقارب الزمان»، في الصحيحين.ذكر تقارب الزمان والمعنى أنه يمضي الوقت الكثير ولا ينجز فيه إلا العمل القليل، على الخلاف من أهل العلم في تفسير تقارب الزمان، وهذا في الصحيحين عن أبي هريرة. وجاء في رواية عن أنس عند الترمذي بسندٍ صحيح، ما يفسر هذا، وأنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «يتقارب الزمان؛ حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كالساعة، والساعة كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ»(3).وهل هذا التقارب حسي، أو هذه القلة حسية، أو أنها معنوية، أو أنها تكون تارةً هكذا، وتارة هكذا؟ موضع كلامٍ عند أهل العلم، لكن ما يتعلق بهذا في إشارة إلى أن البركة تنال بطاعة الله والعلم النافع، والتقوى وهذا مشاهد إذا قد يبارك لبعض الناس في وقته، لالتزامه بالسنة فيحصل بالأوقات اليسيرة، ما لا يحصله غيره في الأوقات الكثيرة.ومن ذلك أيضًا البكور من أول النهار، كما كان -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى الفجر جلس يحدث أصحابه، ويتحدثون وربما ذكروا شيئًا من الجاهلية فيضحكون ويتبسم -عليه الصلاة والسلام- حتى تطلع الشمس حسناء، بلفظٍ حسنًا هذا رواه مسلم. (4) وفي الحديث الذي رواه صخر الغامدي، وهو عن علي رضي الله عنه، رواه أحمد وأهل السنن عن صخر، أنه عليه الصلاة والسلام قال:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» (5).
وكذلك عن أحمد عن علي عند أحمد:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»(6)، والحديثان من هذان الطريقان في إسنادهما ضعف، لكن قوى بعض أهل العلم، هذا الخبر بشواهده، وقالوا: أنه من باب الحسن لغيره، أو من باب الصحيح لغيره، وهذا ببركة المبادرة إلى البكور من أول الوقت، والمعنى والأدلة في هذا كثيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم (1142) ومسلم رقم (776).
(2) أخرجه البخاري في "صحيحه" (81) ، ومسلم (2671).
(3) أخرجه الترمذي (2332) وقال الألباني : صحيح.
(4) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، "كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ" , أخرجه مسلم(286) - (670).
(5) أخرجه أبو داود (2606) ، والترمذي (1212) ، وابن ماجه (2236) سعيد بن منصور في "سننه" (2382) ، وابن أبي شيبة 12/516 .
(6) أخرجه أحمد رقم (1331) والطيالسي رقم (1342). قال الحافظ: ابن حجر فيما نقله عنه تلميذه السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص 90: ومنها (يعني من أحاديث: اللهم بارك لأمتي في بكورها) ما يصح ومنها ما لا يصح، وفيها الحسن والضعيف.
وانظر "مسند الشهاب" للقضاعي (1489-1494)، و"صحيح ابن حبان" (4754) و (4755) .