يقول السائل : أبي معه مائة ألف ريال وهي أمانة لدية وليس استثمارًا وعمي يتاجر بهذا لصالحة فمالحكم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد;
هو في الحقيقة استثمار؛ لكن قصده ليس أبوه الذي يستثمرها بل عمه وعلى هذا لا تكون أمانة يعني بالمعنى الخاص, تكون كالقرض هذه لا تكون أمانةً؛ لأن الأمانة لا يجوز التصرف فيها, إلا إذا استأذن صاحب المال في التصرف فيها, يعني هناك بحث آخر يتعلق بنفي الضمان عن الأمانة هذا البحث من أهل العلم من يجوزه ومنهم من يمنعه؛ لكن ما يتعلق بهذه المسألة وهو الزكاة هذا يتعلق بمسألة الدين على من عليه دين وعنده مال, هل تجب عليه الزكاة أو لا تجب عليه الزكاة؟ من أهل العلم من يقول: إنه لا تجب عليه الزكاة ويُسْقِط ما عليه من الدين,ويقولون مطلقًا لا تجب عليه الزكاة مطلقًا سواء كان يعني قادر على السداد أو ليس قادر على السداد, سواء كان هذا الدين يعني قَرُب أو غيره فأنه لا تجب عليه الزكاة, ومن أهل العلم من قال: تجب الزكاة في مطلقًا, والذين يقولون: لا تجب الزكاة فيه وهذا هو ظاهر قول الجمهور إلا أن عندهم تفصيلًا في بعض الصور؛ وهو إذا كان هذا الدين لأجل التجارة فهذا فيه الزكاة, والذين يقولون: لا زكاة فيه يقولون أنه لا يملك هذا المال وسوف يرده فهو متردد إنما ينتفع به ثم يرده, ثم هذا المال يزكيه صاحبه؛ فلا تؤدى زكاة مال مرتين؛ لكن هذا فيه نظر ولو ثبت إن المراد أنها لا تأخذ مرتين بل الزكاة مرة واحدة سواء كان يدفعها هو أو يأخذها العامل منه, والصحيح وجوب الزكاة في المال مطلقًا وهو مذهب الشافعي واختاره جمع من أهل العلم لعموم الأدلة في هذا الباب, ولا يمتنع أن يزكي المقرض ماله والمقترض يزكي, فكلٌ له ماله؛ ولهذا يأخذه المقترض وينتفع به؛ ثم من جهة المعنى المقترض منتفع بهذا المال والمقرض غير منتفع أقرضه لله, فكان من جهة المعنى والحكمة كيف يقال المقرض المحسن إلى أخيه تجب عليه الزكاة؟! والمقترض المستفيد من هذا المال الذي أحسن إليه صاحبه لا تجب عليه الزكاة وتجب على المقرض! من جهة المعنى فإنه تجب عليه الزكاة من باب أولى؛ لأنه منتفعٌ بهذا المال سواء انتفع به لنفقاته أو انتفع به في استثمار أو نحو ذلك, وإن الزكاة واجبة عليه, هذا هو الأظهر لعموم الأدلة والنبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث السعاة وكانوا يأخذون الزكاة ولم يكونوا يسألون من يأخذون منهم الزكاة هل عليكم دين؟ بل كانت تأخذ الزكاة من الجميع, ومعلومٌ أن أُناس عليهم دين وخاصة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فلو كانت الزكاة تُسْقَط لَبُيِن؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز,أما الأثر المروي عن عثمان رضي الله عنه في الموطأ وغيره قال: " هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دينٌ فليقضه حتى تخلص لكم أموالكم"(1) فهو محتمل وليس صريحًا بينًا ليست صريحة إنما قال: "شهر زكاتكم" والمعنى أن من عليه دين فليخلص ذمته وليبرأ ذمته؛ حتى تخلص لكم أموالكم؛ بل إنه من تأمل له ربما يكون دالًا على وجوب الزكاة؛ لأنه إذا لم يؤدي الدين فلا تخلص له أمواله بل يختلط ماله بمال غيره فيزكي الجميع, إنما يخلص له ماله حينما يؤدي الدين الذي عليه فلا يزكي إلا المال الذي له حر ماله أما ما سواه فإنه يخرجه, وفي الأمر في سداد الدين وقضاء الدين كلمة يعني عبارة محتملة وليس فيها صراحة؛ ثم كما تقدم عموم الأدلة واضح في هذا الباب وهو وجوب الزكاة فيها, وهناك صورة لا تجب فيها الزكاة يعني على صاحب المال المقرض وصاحب المال الدائن والدائن يطلق أحيانًا على من عليه المال ومن أعطى المال فإذا كان من عليه المال ثقيل لا يستطيع السداد أو كان مماطل فلا زكاة على صاحب الدين, إنما إذا كان صاحب الدين قادر على السداد مراعاة المجاملة أو لصداقة أو لقرابة فلا تسقط الزكاة؛ لكن اختلف العلماء هل يجب إخراج الزكاة في الحال أو حتى يقبضها؟ الأظهر التفصيل في هذا إن كان المال من عليه الدين وقادر على السداد ويمكن أن يطلبه ويسلم له المال لكن تركه مراعاة له أو لا ضرر عليه أو يستحي منه لصداقة أو قرابة فلا تسقط حقوق الفقراء بهذا وهل يخرج الزكاة في الحال أو إذا قبض على قولين: ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يخرجها والأظهر والله أعلم أن يخرج زكاة المال في الحال؛ لأن المال كأنه أمانة والأمانات تؤدى الزكاة فيها بلا خلاف, كأنه أمانة عند من أقرضه المال أو أعطاه المال فيزكيه, أما من عليه المال تقدم الخلاف فيه مادام المال موجود فإنه يزكيه كسائر أمواله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضي الله عنه - خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دِينَهُ , حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالَكُمْ فَتَؤَدُّوا مِنْهَا الزَّكَاةَ. أخرجه البيهقي (7396) ومالك في الموطأ (593), عبد الرزاق في المصنف(7086), وابن أبي شيبة في المصنف (10555), وقال الألباني: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.