يقول السائل : هل يحل أكل لحم الضبع ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذا وقع فيه خلاف . ذهب الجمهور إلى جواز أكله ، وذهب الأحناف وجماعة إلى تحريمه ، ومنهم من ذهب إلى الكراهة ، وفيه حديث اختلف العلماء في ثبوته ، وهو حديث عمار عبد الرحمن بن عبد الله بن عمار عن جابر بن عبد الله وهو عند الترمذي وغيره ، وفيه أنه سأل عبد الله الضبع صيد . قال: نعم . قال : يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الضبع صيداً قال: آكله قال: نعم .. يرحمك الله - قال: نعم . ، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام أباح أكل الضبع وجعلها صيداً ، وهذا الحديث جاء في رواية أخرى عند ابن خزيمة ، والطحاوي ، وفيه أنه جاء في بعضه أنه موقوف عن بن جابر والبعض أنه مرفوع ، وفيه أنه سئل عن الضبع فقال: هو صيد يفديه المحرم . هذا الحديث كما تقدم منهم من ضعفه لأنه من رواية عبد الرحمن بن عمار وقالوا إن رواية ثبت عن جابر وقفه (1)، وجاء عن جابر موقوف ، وجاء مرفوع في رواية عطاء عن جابر ، وجاء في ذكر الصيد دون أنه يفدى في الحرم بدون الأكل ، وجاء أنه يؤكل في رواية عطاء عن جابر ، وهذا أوجب التوقف فيه من بعض أهل العلم ، وحكى الترمذي عن البخاري أنه صححها، وبعضهم ضعفها من جهة المتن ، وقال: إن الخبر فيه نكارة لأن الضبع له ناب ، وهو من ذوات الأنياب ، والأخبار الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي ثعلبة فيها تحريم كل ذي ناب من السباع(2) فهو تحريم وهذا العموم داخل فيه الضبع ، وقالوا : إنه لا يعقد أن يخصص نوع من الحيوانات مع وجود المعنى
وقد استثنى هذا ابن القيم رحمه الله وقال يعني ؛ لا أعرف شيئاً فيه التخصيص إلا في هذا الخبر ، أعني شريعة يقصد الشريعة التي جاءت عنه عليه الصلاة والسلام ، لا الشريعة التي فيها التأويل ، وصرف النصوص . شريعة التنزيل لا شريعة التأويل ، ثم استظهر رحمه الله أن المحرم من السباع من سمع فيه وصفان . كونه ذا ناب ، وكونه يعدو بنابه ، وهذا موجود في الفهد والأسد والنمر والذئب . قال: هذه لها أنياب وتعدو بنابها ، أما الضبع فله ناب ولا يعدوا ، ومنهم من قال إن الضبع أسنانه صفيحة واحدة وليس له ناب ، وقال بعضهم له ناب ، وهو أيضاً يفترس والقول أنه لا يفترس خلاف الواقع ، أيضاً استنكروه من جهة أنه إذا استنكر بعض أهل العلم من المالكية قالوا إنما يدل على يعني نكارته أنه يحرم الأسد والأسد أطيب مأكلاً منه ، ولا يأكل الجيف ، والضبع يأكل الجيف . فإذا حرم الأسد ونحوه ، فتحريم الضبع من باب أولى . ذكروا معاني من هذا الباب أوجبت توقفهم في هذا الخبر من جهة المتن ، ومن جهة الاختلاف عليه ، وأنه جاء لرواية عطاء أنه موقوف ، وجاء أيضاً بلفظ فيه بعض المخالفة . فهذا التردد في صحة الخبر مع عموم الأخبار في تحريم ذوات الأنياب مع أن الضبع له ناب يعدو به ويفترس والقول بأنه لا يعدو قالوا: خلاف الواقع ، وخلاف أيضاً ما ذكر ابن القيم ، وذكر الحسن ما يعرفه ، والذين ذكروا هذا القول قالوا: انه معروف عنه بل إنه ينبش القبور ، ويتعرض للإنسان وهو ميت إلى غير ذلك . فعلى هذا يظهر والله أعلم أن المقام مقام شبهة . فمن احترس واستبرأ لدينه فلا بأس لأجل أنها شبهة كان أحسن ، ومن أكل بناء على هذا الخبر وارد في هذا الباب وقول جماهير العلماء في هذا فلا إنكار عليه ، ويقع في بعض الأخبار التي يحصل فيها تردد من جهة أنه يرد فيها أخبار فيحصل في نفسه شيء من التردد فلا يجزم. خاصة في باب الأطعمة والمأكولات يقع كثيراً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ : قُلْتُ لِجَابِرٍ : الضَّبُعُ أَصَيْدٌ هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : آكُلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ قُلْتُ : أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . أخرجه الترمذي (851) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" ( 2494).
(2) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) رواه مسلم (1932).