يقول السائل : هل النظر الى الكعبة عباده ؟ وهل ينظر الى الكعبه حين يصلى ام الى موضع سجوده ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
النظر إلى الكعبة كالنظر إلى غيرها، يعني من جهة الحكم، فليس عبادة، وثبت في حديث ضعيف، :"للطائفِينَ وأربعون للمُصلِّين وعشرون للناظرين" عن عبد الله بن عباس، هذا حديث لا يصح ولا يثبت بالنظر(1)،
وكذلك حديث، "النظر عبادة" كذلك لا يثبت(2)، ثم السنة إنك تنظر إلى موضع سجودك، هذا هو الصحيح، النظر إلى موضع السجود.(3) وهو قول جمهور العلماء، خلافاً لمالك رحمه الله، الذي يقول ينظر أمامه واستدل بالحديث الصحيح عندما صلى عليه الصلاة والسلام قال "عُرِضَت عَليَّ الجنَّةُ والنَّارُ آنِفاً في عُرْض هذا الحائط"(4) وأنه نظر أمامه وهذا نظر عارض، النظر العارض؛ غير النظر المستقر، فالأصل أنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا صلى كان بصره إلى موضع سجوده، وفي لفظه أنه كان يرمي بصره إلي السبابة (5).
وكذلك قول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(6)، الخشوع يكون من جهة المعنى، ومن جهة البصر، بأن ينظر و ويتدبر، أما حديث أم سلمة، المروي في هذا الباب،"أنهم كانوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ينظرون هنا وهنا" فنزل قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، فرموا بأبصارهم إلى الكعبة والحديث لا يصح كما تقدم،(7) أما حديثه "عُرِضَت عَليَّ الجنَّةُ والنَّارُ آنِفاً في عُرْض هذا الحائط"، فهذا في حالٍ عارض، ولا بأس أن ينظر إلى أمامه، حينما يسمع شيء أو يريد أن يرى الإمام، هل هو راكع؟ هل هو ساجد؟ فالنظر إلى الأمام أحياناً لا بأس، فرقٌ بين النظر العارض، والنظر الراتب، مثل ما ثبت عنه في الحديث الصحيح، حديث أنه عليه الصلاة والسلام، "لما أرسل ربيئةً يحرس، فصلى الفجر عليه الصلاة والسلام، وجعل ينظر إلى الشعب، ثم لما فرغ والتفت إليهم، قال هل رأيتم صاحبكم، قالوا لا يا رسول الله، قال انظروا إليه قد أقبل بين الشجر، فوقف على الفرس والنبي ينظر إليه، فقال عليه الصلاة والسلام، هل نزلت، قال يا رسول الله، يعني في مكان حراسته، إلا مصلياً، أو قاضي حاجة، قال لا عليك ألا تعمل بعدها، يعني قد وجبت له الجنة"(8)
فالنبي نظر، عليه الصلاة والسلام، ونظره هذا لأجل الحاجة، مثل ما جاء في حديث ابن عباس، "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يلتفتُ في صلاتِهِ يمينًا وشمالاً ولاَ يلوي عنقَهُ"(9)، قد يكون متنه غريب لكن سنده جيد، ومحمول على الالتفات للحاجة، مثل ما جاء أن أبو بكر رضي الله عنه في صحيح البخاري، "لما صلى بالناس، والنبي شق الصفوف، حتى جاء الصف الأول، فصفق الناس فلما أكثروا التصفيق والتفت أبو بكر وكان يصلي، فرأى النبي، صلى الله عليه وسلم"،(10) فتقدم... الحديث، الالتفات للحاجة لا بأس به، أما السنة؛ أن يكون موضع النظر هو موضع السجود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ينزل الله كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين".أخرجه الطبراني في الكبير (11248) ، والطبراني في الأوسط (6314) المطالب العالية لابن حجر (1295). وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 339(
(2) جاء في حديث خمس من العبادة : قلة الطعم و القعود في المساجد و النظر إلى الكعبة و النظر في المصحف و النظر إلى وجه العالم .عزاه السيوطي للديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الشيخ الألباني: ضعيف جدا، وانظر حديث رقم (2855) في ضعيف الجامع.
(3) أخرج ابن حبان ( 4 / 332 ) والحاكم ( 1 / 652 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها " صححه الألباني في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " .
(4) أخرجه البخاري رقم (749) ، ومسلم رقم (2359) .
(5)عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته " . أخرجه أبو داود ( 990 ) والنسائي ( 1275 ) واللفظ له وصححه النووي في " شرح مسلم " ( 5 / 81).
(6) سورة المؤمنون، الآية: 1و2
(7) قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (12/95): قوله تعالى : ( خاشعون ) روى المعتمر ، عن خالد عن محمد بن سيرين قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى السماء في الصلاة ؛ فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية الذين هم في صلاتهم خاشعون . فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر حيث يسجد . وفي رواية هشيم : كان المسلمون يلتفتون في الصلاة وينظرون حتى أنزل الله تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ؛ فأقبلوا على صلاتهم وجعلوا ينظرون أمامهم . وأخرج الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه (3483) من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا صَلَّى رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَنزلت الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون ...) فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَوْلَا خِلَافٌ فِيهِ عَلَى مُحَمَّدٍ فَقَدْ قِيلَ عَنْهُ مُرْسَلًا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وفي مختصر تلخيص الذهبي (346): حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ فطاطأ رأسه.قال: على شرط البخاري ومسلم. قلت: الصحيح مرسل. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3542) ثم قال: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ مُرْسَلًا، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ.
(8)أخرجه أبو داود ( 193 ) وأحمد في المسند ( 14704 ) وقال الألباني: حسن - "صحيح أبي داود" (193).
(9) أخرجه الترمذي ( 587 ) والنسائي ( 1201 ). وأحمد في المسند ( 2458). قال الترمذي : هذا حديث غريب، وأخرجه أحمد (2486) . والترمذي (588) قال: حدثنا محمود بن غيلان.
كلاهما - أحمد ومحمود - عن وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن رجل من أصحاب عكرمة - وفي رواية محمود بن غيلان - عن بعض أصحاب عكرمة - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلحظ في صلاته، من غير أن يلوي عنقه. وأخرجه أبو داود - تحفة الأشراف - (6014) عن هناد، عن وكيع، عن عبد الله بن سعيد، عن رجل، عن عكرمة، عن النبي، - صلى الله عليه وسلم - قال أبو داود: وهذا أصح. يعني المرسل، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
(10) عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أن أمكث مكانك ) . فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى فلما انصرف قال ( يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ) . فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم,... الحديث.
أخرجه البخاري رقم (652) ، ومسلم رقم (421) .