يقول السائل : ما فضل يوم عرفة إن وافق يوم الجمعة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لم ينقل فضل خاص منقول عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله إنما فضل من جهة أنها توافق يوم حجة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن حجته كانت يوم الجمعة، وهذا فضلٌ لأنه الله سبحانه وتعالى اختار له هذا اليوم وهو يومٌ عظيم يوم الجمعة فاجتمع عيدان، يوم الجمعة ويوم عرفة وهما عيدان لأهل الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام: ((يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام))(1) وهو حديثٌ صحيح. وكذلك يوم عرفة ثبت في الصحيحين أن رجلاً من اليهود قال لعمر رضي الله عنه: آيةٌ في كتابكم لو نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:3]، (2) انظر اليهودي يعلم هذه الآية ونزولها، فقال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في يوم جمعة وهما بحمد الله عيد، المعنى اتخذنا ذلك اليوم عيد، وكذلك رواه الترمذي عن ابن عباس بسندٍ صحيح(3)، وفي لفظ عند مسلم والساعة التي نزلت فيها (4).
فهذا فضل عظيم لموافقة عرفة ليوم الجمعة، وأن الجمعة أفضل أيام الأسبوع، قال عليه الصلاة والسلام:"خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة"(5)، فاجتمع يوم الجمعة وله هذا الفضل العظيم، ويوم الجمعة أيضاً اثنتا عشرة ساعة كما قال عليه الصلاة والسلام: الإجابة عند أبي داود آخر ساعةٍ منه هي ساعة إجابة(6)، وهذا أيضاً جاء في أحاديث أخرى، فيوافق يوم الجمعة، ويوم الجمعة فيه ساعة الإجابة، ساعة الإجابة هل هي آخر النهار أو وقت صعود الإمام إلى المنبر إلى أن تقضى الصلاة، فهي بحمد الله توافق عمل عظيم الناس في صلاة الظهر والعصر أو قبلها بقليل ومع هذا الوقت، وكذلك من آخر يوم الجمعة في آخر ساعة، وهذا هو الأظهر في الأخبار، وإن كان بعضهم اختار أنها في هذين الوقتين تلتمس كما هو في ظاهر كلام ابن القيم رحمه الله، فتجتمع هذه الفضائل العظيمة. والله عزَّ وجلَّ ينزل عشية عرفة، وحريٌ بالعبد حينما يقف هذا الموقف العظيم في يوم جمعة في يوم عرفة من آخر النهار والأيام الفاضلة أواخرها أفضل من أوائلها، وكل يومٍ آخره أفضل من أوله، وصلاة العصر الصلاة الوسطى وهي من آخر النهار، والله ينزل عشية عرفة ويباهي ملائكته ويقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد غفرت لهم(7).
أما الحديث الذي يذكر ويروى أن عرفة إذا وافق الجمعة فإنه بسبعين حجة(8)، فهذا حديثٌ لا أصل له ذكره رزين بن معاوية العبدلي في كتابه، وقد جمع رحمه الله وعفا الله عنه في كتابه هذا أخباراً منكرة، فالخبر كما بين أهل العلم لا أصل له بل هو في حكم الموضوع والحمد لله في الأخبار الصحيحة ما يغني عن الأخبار الموضوعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه أبو داود (2419) ، والترمذي (773) ، والنسائي في "المجتبى" 5/252، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4606) ومسلم في "صحيحه" (4 / 2312 - 2313) رقم 3 و 4 و 5) .
(3) أخرجه الترمذي (3043).
(4)أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (3017).
(5) أخرجه مسلم (854) (18) ، والترمذي (488) ،
(6) حديث جابر بن عبد الله عند أبي داود (1048) ، والنسائي 3/99-100 بلفظ: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر". وسنده جيد، وصححه الحاكم 1/279، ووافقه الذهبي،
(7) أخرجه البخاري عن أبي هريرة (6408) .
(8)"أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة ، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة" وفي " السلسلة الضعيفة " ( 1193 ) قال – رحمه الله - :قال السخاوي في " الفتاوى الحديثية " ( ق 105/2) ذكره رزين في " جامعه " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر صحابيه ، ولا مَن خرَّجه ، والله أعلم " .وفي " السلسة الضعيفة " ( 3144 ) قال – رحمه الله - :قال الحافظ في " الفتح " ( 8 / 204 ) بعد أن عزاه لرزين في " الجامعة " مرفوعاً : " لا أعرف حاله ؛ لأنه لم يذكر صحابيه ، ولا من أخرجه " .وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء " فضل يوم عرفة " : حديث " وقفة الجمعة يوم عرفة أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة " حديث باطل لا يصح ، وكذلك لا يثبت ما روي عن زر بن حبيش : أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة " . انتهى " .