يقول السائل : هل فضل الصلاة في المسجد الحرام تقتصر على المسجد، أو في كله؟ مع العلم أنهالشيخين؛ابن عثيمين وابن باز-رحمهم الله- اختلفا في هذا الأمر، فكيف نوفق بينهما؟وهل المضاعفة في الفرض فقط أو في النفل كذلك؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذا وقع فيها خلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا، والجمهور أنه على يثبت بالحرم وهذا عليه قول شيخنا ابن باز كما قال هذا السائل.
والقول الثاني: هو المذهب وهو اختيار العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-، وهو القول الثابت، وقول الجمهور أظهر في هذه المسألة، وهو قول مالك وأبى حنيفة والشافعي ومالك، أما المذهب كما ذكر صاحب الفضول الإمام أحمد -رحمه الله-أنه خاص بالمسجد، واستدلوا بأدلة؛ منها حديث ميمونة -رضى الله عنها-أنها قالت:«إني سمعت رسول الله يقول: إلا مسجد الكعبة وإن صلاة فيه بألف صلاة»،وقوله إلا مسجد الكعبة لما قالت لامرأة نذرت أن تصلى في بيت المقدس(1)، وقول الجمهور له أدلة، وهو بالتأمل أظهر وأقرب إلى المعنى؛ لأن الحرم يشمل جميع الحرم،ولهذا فرق يعني لو قلنا أن المسجد الحرام من منى،إن المسجد يكون خاص بهذا المسجد بنفس المسجد المحاط بالأسوار لجعلناه كمسجده -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المضاعفة في مسجده خاصة بنفس المسجد، أما المسجد الحرام فهو للحرم كله ولهذا مسجده، وصلاة في "مسجدي هذا "أشار إليه، فالإشارة إليه لتخصيص دون التخصيص للمسجد الحرام الذي يحيط بالكعبة يدل على العموم، هناك أدلة وهو قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[ التوبة:28]،والمسجد الحرام هنا المسجد كله هذا هو الظاهر، وإلا أوله بعضهم بتأويل،{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الإسراء: 1]. وفى السيرة أنه أسري به من بيت أم هانئ، ولم يسرِ به من المسجد الحرام، والذي في البخاري أنه أسري به من(3:10)، وقد يقال إن مبتدأ الإسراء كان من بيت أم هانئ، ثم أسري به إلى المسجد الحرام (3:22) هذا وهذا،وهناك أدلة أخرى تدل لقول الجمهور، ثم المعنى الذي عظم به يعني هو في الحقيقة حرمة المسجد ليس لمجرد هذا البناء والصخور،لا، إنما لأجل البقعة، المسجد الحرام حرمته نفس البناء لأجل البقعة التي هو فيها، ولهذا يعنى يلزم عليه فرضًا يعنى لو قلنا من باب الفرض لو أن المسجد امتد حتى خرج خارج الحل، هل يقال إنه يدخل فيه المضاعفة على سبيل الفرض مع أنه؟ لو فرضنا فرضاً أنه امتد صار خارج الحل،وشيء منه ليس داخل في وصف الحرم الذى حرمه الله –سبحانه تعالى-، والتحريم لهذه البقعة حرمها الله –سبحانه وتعالى- يوم خلق السموات والأرض، وجميع خصائص التحريم التي لهذا المسجد هي لهذه البقعة في حل عدم التعرض لصيدها وشجرها ومثل ذلك.فقول الجمهور كما يظهر أظهر، وله أدلة مبسوطة في كلام أهل العلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى، فَقَالَتْ: إِنْ شَفَانِي اللهُ لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَبَرَأَتْ، ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ، وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ» أخرجه مسلم (1396).