يقول السائل : ما حكم زيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام لا تشرع قصدًا يعنى أنه يشد الرحل إليه، بل تكون تبعًا لزيارة مسجده عليه الصلاة والسلام ، والذي شرع هو شد الرحل إلى المسجد، أما شد الرحل لزيارة قبره فهذا لا يشرع، بل خلاف السُنة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"(1)، يعني قيل: إلى موضعٍ يتعبدون فيه إلا إلى ثلاثة مساجد، وقيل: إلى مسجد إلا إذا ثلاث مساجد، فعلى هذا التقدير إذا كان لا يُشرع، إلا إلى ثلاث مساجد فغيرها من باب أولى، يعني أنه خص الثلاث فلا يشد الرحل إلى غيرها، فمن جاء إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، قاصداً المسجد السُنة أن تبادر إلى صلاة التحية، وإن قصدت إلى القبر، والسلام عليه فلا بأس مرةً واحدة، ولا يشرع الوقوف عند القبر كل ما جئت هذا لا أصل له، لا عن الصحابة رضي الله عنهم، وقبل ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم مقابر، وصلوا عليٍّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم(2)، وقال عليه الصلاة والسلام:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم"، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله هو رسوله(3)، وهذا يفضي إلى الغلو، ولهذا لم ينقل عن الصحابة، إنما نُقل عن ابن عمر وحده أنه رضي الله عنه كان إذا قدم المدينة جاء وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى أبي بكر، وعلى عمر،** وهذا نقل عُبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر وحده(4)، ثم الآن في الحقيقة لا يمكن زيارة قبرة، هل يمكن أن نزور قبرة الآن؟ هل يمكن الوصول إلى القبر؟ لا يمكن الوصول إلى القبر، القبر محاط بجدران خلفها جدران، ولهذا الوقوف عند القبر كثر، ونعيم يرى أنه غير مشروع، لأنك لا تجرؤ، وليس هناك باب مفتوح، ولا نافذة حتى تسلم معها، ولا باب تدخل معه، إنما لما كانت عائشة رضي عنها في هذه الحجرة، وكان يدخل إلى للحجر من بابها، كان الناس يدخلون، وتأذن لهم، ويصلون إلى القبر، لكن بعد ذلك سُد القبر، وسُد الباب، ولو كان مشروعًا لتركه الصحابة رضي الله عنهم مفتوح، بل سدوا الأبواب، والنوافذ التي تصل إلى القبر، وأحيط بالجدران، ولهذا قال القيم رحمه الله: ولذا أجاب رب العالمين دعائهُ، وأحاطه بثلاثةٍ جدرانِ، ثم هو أيضًا مسنم من الجهة الثمانية، لا يمكن الاتجاه إليه، على هذا نقول: إن الوقوف عنده هو لا يمكن كما تقدم، وأنت حينما تدخل المسجد سلامك عليه، عليه الصلاة والسلام عند باب المسجد، أو ظل من سلامك عليه عند جدار القبر؛ لأن سلامك عند جدار القبر لم ينقل به دليل، ولا خبر، ولا أثر، إنما الذي ثبت هو السلام عليه، عليه الصلاة والسلام عند دخولك المسجد في أي مسجد من المساجد، خاصةً مسجده عليه الصلاة والسلام، السلام عليه مشروع، كما في الأخبار الصحيحة، صحيح مسلم، وغيره هذا(5) هو المشروع، وهذا هو الذي خُص به عليه الصلاة والسلام، أما السلام على القبر فهو عام له ولغيره أن تزور، وتسلم على قبور المسلمين عمومًا، والسلام على قبور أهل الإسلام خصوصًا فهذا عام، والخاص خاص، والخاص أفضل؛ ولأنه لا يسلم عند أبواب المساجد إلا للنبي خاص به عليه الصلاة والسلام، أما القبر السلام على القبر فهو له ولغيره، بل جاء في حديث ابن عباس وابي هريرة، وعائشة، وذكره عبد الحق الأشبيلي، وهو عند ابن أبي الدنيا أنه عليه الصلاة والسلام قال: ما من رجل يمر بقبر الرجل الذي كان يعرف الدنيا، أو بقبر أخيه الذي كان يعرف الدنيا، إلا رد الله عليه حتى يرد عليه السلام،(6) وهذا الخبر اختلف فيه، وهذا ورد أيضًا في حقه عليه الصلاة السلام عند أبي داود، وهو حديث عن أبي هريرة أنه قال عليه الصلاة والسلام: ما من أحد سلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى يرد عليه السلام(7)، هذا هو الحديث الواحد الذي فيه دلالة على السلام عليه عند زيارة قبره، وبه بوّب ابن القيم رحمه الله، مع إن الحديث مختلف بسنده، وهذا لا يكون إلا عند السلام رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، لا يكون إلا عند قبره، وهذا لا يمكن الآن؛ لأنك لا يمكن أن تسلم عليه عند قبره، أرأيت لو جئت إلى دار إنسان، والباب يعني مغلق، وسلمت من خارج الباب ومشيت، هل تُعد زائرًا لصاحب البيت؟ لا يمكن أن تُعد زائرًا، ثم أيضًا لو قال إنسان: الحقيقي يمكن أن يرد قد يسمع، لكن الميت خصوصًا في قبره لا يمكن إلا إذا كنت عند القبر، أما من كان خارج القبر، وخارج سور القبر، والقبر قد أُحيط هذا لا يمكن، وإن كان ما يفعله الناس اليوم لا يشدد فيه، ويقول لا بأس به من جهة العموم، إنما الذي يستنكر هو الغلو، والمبالغة، وأن كل ما دخل وقت من الأوقات جاء وقف عند القبر حتى لا يُشرع، إنما لو وقف مرةً واحدة أول ما يأتي هذا سهل لبعض أهل العلم، ثم المشروع عند الجمهور أنك عند السلام عليه، عليه الصلاة والسلام تستقبله وتستدبر القبلة عند الجمهور هذا عند السلام، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر ، ثم بعد ذلك تمشي إلى قبر عمر رضي الله عنه، يعني إلى جهة يمينك حينما تتجه إلى القبر إليه على هذا القول، وقال: لا بأس أن يقول بعض الكلمات أشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت، والله أعلم الذي ورد هو السلام، إذا قيل به على هذه الحال، والقبر قد أغلق من جميع النوافذ، وقال أبو حنيفة رحمه الله من تشديده: أبو حنيفة رحمه الله مع كثيرٍ من أتباع المذاهب اليوم التي يتابعون مذهب أبي حنيفة يغلون غلوًا أبو حنيفة أشد استنكارًا لها رحمه الله، بل هو من أشد أصحاب المذاهب الثلاثة تشددا بهذه المسألة، ويقول أبو حنيفة رحمه الله: حال السلام يستدبر القبر، ويستقبل القبلة هذا قول أبو حنيفة رحمه الله، والجمهور يقولون حال السلام يستقبل القبر؛ لأن الذي يسلم يستقبل من يُسلم عليه فيجعل وجههُ إلى وجههِ ، وأبو حنيفة يقول: لا يستقبل القبلة حال السلام، أما عند الدعاء فهو محل إجماع أنه لا يستقبل القبر، هذا من البدع يدعوا عند الدعاء حينما يدعوا الإنسان، ويسأل ربه لأن الدعاء كما أنك تصلي إلى القبلة فكذلك خاصة إذا كنت عند القبور تتجه إلى القبلة، وإن كان الدعاء في غير هذا المكان جائز إليه جهة لكن؛ لأن القصد إلى القبر ربما يوحي بالغلو، وقد يفضي إلى أنواع من البدع التي لا تجوز، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه البخاري (1197) و مسلم (827).
(2)أخرجه أبو داود(2042) وهو في "مسند أحمد" (8790)، وفي صحيح الجامع: 7226
(3) أخرجه البخاري (8630).
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (11793) والبيهقي في السنن الكبرى (10271)،وفي معرفة السنن(10940).
(5)عن أبي حُميد -أو أبي أُسيد- الأنصاريَّ يقول: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخلَ أحدُكم المَسجِدَ فليُسَلم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ لِيَقُل: اللهُمَّ افتَح لي أبوابَ رحمتِكَ، فإذا خرجَ فليَقل: اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ من فَضلِكَ". أخرجه مسلم (713)، والنسائي في "الكبرى" (810)، وابن ماجه (772) وهو في "مسند أحمد" (26057)،
(6) أخرجه ابن جميع في "معجمه" (351) ، ,الخطيب في "التاريخ" (6/ 137) ، وتمام في "الفوائد" (2/ 19/ 1) ، وعنه ابن عساكر (3/ 209/ 2 و 8/ 517/ 1) ، والديلمي في مسند الفردوس (4/ 11) ، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (12/ 590) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة مرفوعاً .قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ عبد الرحمن بن زيد ؛ متروك كما تقدم مراراً ، وساق الذهبي في ترجمته هذا الحديث في جملة ما أنكر عليه .والحديث صححه عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" (80/ 1) وتبعه العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 419 - حلبي) ، وأقره المناوي ! وأما الحافظ ابن رجب الحنبلي ؛ فقد رده بقوله في "أهوال القبور" (ق 83/ 2) يشير إلى أن رواته كلهم ثقات وهو كذلك ؛ إلا أنه غريب ، بل منكر" .
(7) أخرجه أبو داود" (2041)، وأحمد في "مسنده" (10815)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 245،