يقول السائل : ما حكم المشروبات التي تباع في المحلات شعير بدون كحول، وعنب بدون كحول؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
المشروبات مثل غيرها من المبيعات إذا خلت من المحرم جاز استعمالها، وهذه المشروبات من هذه العصائر من عنب ونحوه مهما سميت إذا وقع فيها شيءٌ محرم مثل بعض الكحول مثل الماء إذا وقع فيه نجاسة، فلا نحكم بنجاسة الماء حتى تظهر النجاسة، ولا نحكم بخمرية هذه المشروبات حتى يتبين الخمر، وهذا الفعل لا يجوز في الأصل ، وليس معنى ذلك إنه يجوز لا. لكن لو فرض أن الإنسان ابتلي ببعض هذه المشروبات التي فيها نسبة من الخمر، نقول: لا يجوز أن تصنع لكن لو صنعت، وانتشرت بين أهل الإسلام، وابتلوا بها يجتهد بأحكامها.
مثل أنه لا يجوز أن تطرح النجاسة في الماء لو أن إنسان جاء إلى ماء كثير فوضع فيه قطرةٍ لا يجوز، «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب»() ولو كان الماء كثير، لو قال: هذا الماء لا يتنجس، نقول: لا يجوز لك؛ لأنه وإن لم يتنجس فإن النفوس تستقذره. لو علم أحد أنك بُلت في هذا الماء فإن النفوس تعافه غالبًا ولو كانت النجاسة لم تظهر فيه ففيه إفسادٌ للمياه إما بعيافة النفوس له أو ربما تتوالى الأبوال فينجس. لكن مع ذلك لو علم أنه بال فيه إنسان أو وضع فيه بول وعلمنا أنه طاهر؛ لأن النجاسة استحالت، ولا أثر لطعمها، ولا لونه، ولا ريحها فهو ماءٌ طاهر يجوز شربه، واستعماله في الطعام والوضوء ونحو ذلك من سائر الاستعمالات، و"فعل الفاعل إثمه عليه مادام عالمًا"، ولا نفسد هذا الماء بفعل هذا الفاعل الذي بال فيه.
كذلك أيضًا ما يوضع في هذه المشروبات بشيءٍ من الخمر هذا ينظر وفي الحقيقة حصل اضطراب كثير في هذه المشروبات، وفي تحليلها، وحللت في بعض المعامل منهم من يقول فيها نسبة (5%)، ومنها ما يقول فيها نسبة( 5) من الألف، ومنهم من يقول: نسبة 1% نسب مضطربة الله أعلم في مثل هذا؛ وذلك لأنها مشروبات مصدرة لأهل الإسلام، ليشربونها، وهذا من ضعف أهل الإسلام حيث تأتيهم هذه المشروبات ويبتلون بها، وهذه من المصائب.لكن في هذه الحالة ينظر هل ظهر أثرها أو لم يظهر؟ والنبي عليه الصلاة والسلام صح عنه في حديث جابر عند أحمد وأبي داود الترمذي(1)، وحديث عائشة عند أحمد والترمذي(2)،وعبد الله بن عمر عند النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»،(3) وفي حديث عائشة «ما أسكر ملء الفرق فملء الكف منه حرام»، هذه القاعدة في مثل هذا؛ فكل شيءٍ يكون مسكرًا فإن النقطة منه حرام لا يجوز شرب المسكر، ولو كان لا يسكر سواءٌ كان من العنب أو من غير العنب كل شيءٍ يسكر كثيره فقليله حرام لقول النبي عليه الصلاة والسلام مرةً قال: «فقليله حرام»، ومرةً مثَّل بالقلة بالنسبة إلي الفرق ؛ أي قدر من هذا المسكر فهو حرام فإذا كان هذا الشراب الذي قيل إن فيه مادةً خمرية إن كان كثيره مسكرًا فإنه لا يجوز شرب أي شيءٍ منه، وإن كانت هذه المادة قد استحالت، وتبين أنه لا وجود لأثرها، وأن من شرب منها لا يسكر بشربها فلا بأس من شرب هذه المشروبات، ولا ينظر إلي النسبة، وإذا أشكل الأمر ولا يدري تكون الحال من باب الشبهات.إذًا قال: أنا ما ادري، ويصعب علي أن أعرف ذلك وأنا لم أشرب منها كثير حتى أعرف القليل، وهذا مجرد قدر؛ يعني (مئة) ملي أو (مائتي) ملي لا أعرف القدر في هذه الحالة إن جاء عن جهةٍ موثوق أنه هو خالي من المسكر وعرف ذلك اعتمد هذا، وإن لم يأتي من جهةٍ موثوقة أو اضطرب الأمر ثم النسبة قليلة؛ يعني يحتمل هذا وهذا فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه(4).
هذا هو الواجب وعن مثل ما تقدم أن هذا يجري كما يجري في المشروبات في هذه العصائر كذلك يجري في المياه الأخرى حينما يشكل هذا الماء وقع فيه نجاسة في نسبة مثلًا 1%، 2% أو ما أشبه ذلك من القدر القليل هل هو نجس أو طاهر، نقول: ننظر إن كان أثر النجاسة انتهت واستحالة نقدم بلا تردد؛ يعني لأنه أنت بين واحدٍ من أمور ثلاثة:
إما أن تتبين أنه لا أثر للنجاسة لونًا وطعمًا ورائحة، كذلك لا أثر لهذا الخمر بأي وصفٍ من الأوصاف ولا وجود لها، وقد استحالت تمام الاستحالة، ومنه أيضًا من هذه الاستحالة ما يوضع أيضًا حتى في بعض المأكولات، وبعض أنواع ما يؤكل من أنواع الحلويات التي توضع فيها بعض الشحوم أو بعض المأكولات النجسة من الميتات أو الجلاتين هذا أيضًا يبتلى بها هي من هذا الباب فيه أشياء فيها مادة متميزة نجسة هذه لا يجوز، وفيها بعض المواد تأخذ مثلًا عظام الخنزير ونحوه ثم تُغلى في نار حتى تتبدل تبدلًا تامًا، وتنقلب الخصائص إلى مادةٍ أخرى والأعيان تتبع الأوصاف.فإذا انقلبت المادة إلى مادة أخرى، وصارت تلك العين إلى عينٍ أخرى فننظر في هذه الأوصاف إذا الأعيان تتبع الأوصاف فإذا كانت الأوصاف طيبة فالأعيان طيبة، واعتبر ذلك بما تستحيل بالنجاسات المستحيلة مثل: الميتة إذا استحالت إلى تراب أو استحالت إلى ملح، ولو أن كلبًا سقط في أرض ملح وتحول إلى ملح جاز لك أن تأكل هذا الملح، وإن كان أصله ميتة أو كلب؛ لأن أوصافه الآن طيبة، وطعمه طيب، وليس فيه وصفٌ من أوصاف النجاسات كما تقدم "الأعيان تتبع الأوصاف". وهذه في مسألة سقوط النجاسة أو بعض المأكولات أو بعض المشروبات إذا استحالة بغليها بالنار استحالة تامة، وانقلبت إلى مادةً أخرى هذه المادة الخمرية أو هذه المادة النجسة الميتة أو خنزير انقلبت إلى مادة أخرى في هذه الحالة هذه المادة تتبع الأوصاف، ولا تكون مادةً ولا خنزيرًا ونحوها نعم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (3681) ، والترمذي (1865) ،
(2) أخرجه أحمد (24423) وابن أبي شيبة 7/101 والدارقطني في "السنن" 4/254 ، والبيهقي في "السنن" 8/296 والطبراني في "الأوسط" (1656) ،
(3) أخرجه النسائي في "المجتبى" 8/300، وابن ماجه (3394) ، والدارقطني 4/ 254 والبيهقي في "السنن" 8/296
(4) أخرجه مسلم (1599).