يقول السائل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أطفئوا المصابيح إذا رقدتم واغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب)(1) لماذا الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتخمير الطعام والشراب وهل يقصد به عدم غسل صحون الطعام بالليل؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا ليس هذا هو المقصود يقول (خمروا) يقول أمر بإطفاء المصابيح وكذلك إغلاق الأبواب وإكواء الأسقية وخمروا الطعام وإذا قال خمروا الطعام فإذا كانت هذه الصحون ليست فيها طعام إلا بقايا لا يقال فيها خمروا الطعام لأنه لم يبقى فيها طعام يأكل إنما بقي فيها شيئًا من الأثر بعد أكلها فتكون في هذه الحالة ليس فيها طعام يخشى عليه من أن يصيبه أذى أو نحو ذلك فلو تركت بغير تخمير فلا بأس بذلك إنما التخمير يكون للطعام لذلك جاء في نفس الأخبار غطوا الإناء وأوكئوا السقاء ولذلك الإنسان تكون عنده الأطعمة تبقى الأيام والليالي فربما يكون نوعًا واحدًا يأكل منه ربما يكون أنواعًا فالسنة هو تخمير الآنية, وكذلك إيكاء الأسقية وكذلك إطفاء النار وكذلك إغلاق الأبواب, والشريعة جاءت بهذا الأمر العظيم لما فيه منافع عظيمة وفيه حراسة للبدن وأخذ الأسباب العظيمة فجاءت هذه الأخبار عنه عليه الصلاة والسلام لأخذ الأسباب لذلك حديث جابر الوارد في هذه الباب في إطفاء المصابيح ، وكذلك حديث أبي موسى في الصحيحين أنه احترق بيت في وسط المدينة فقال: (إن هذه النار عدوٌ لكم فإذا نمتم فأطفئوها) (2) فأمر بإطفاء النار, وكذلك ما في حكمها اليوم مثل الكهرباء مثل بعض الأسلاك التي يخشى من التماسها واحتراقها وما يستخدم من بعض الأجهزة التي تكون رديئةً أو نحو ذلك فيخشى من ضررها ربما تكون أشد ضرر من النار لأن الحكم يعم بعموم علته, وهذا بحث ليس المراد التعرض له في هذا لأن أهل العلم تكلموا عليه وذكروه ويفهم من كلامهم أن من يدخل في هذه العلة فهو في حكم ما ورد في هذا الخبر, وكذلك إغلاق الباب (وأغلق بابك واذكر اسم الله) قال فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا ولا يكشف إناءً عليه غطاء ولا يحل سقاءً عليه وكاء, الله سبحانه وتعالى لم يمكنهم من ذلك وإن كانوا قد يتمكنون مثلًا دخول بدن الإنسان ونحو ذلك وأن يجرى من ابن آدم مجرى الدم, لكن منعوا من هذه الأشياء دفع للضرر عن الإنسان , وأنه حينما يذكر اسم الله عز وجل فإنه يمنعهم من المشاركة في المبيت والمشاركة من المشاركة الطعام والمشاركة في الفراش ونحو ذلك؛ ولذا أمر بهذه الآدب العظيمة وفيها مصالح أولًا أنه سببٌ لمنع ما يقع فيها من نجاسات مثلًا ربما يصيبها شيء من النجاسات, أيضًا تمنع ما يصيبها من قذر وأذى؛ لأنه حينما يكون مكشوف ربما يسقط عليه شيء أو يصيبه شيء ونحو ذلك, الأمر الثالث وهو الأعظم أنه يمنع مرور الهوام وسقوط الهوام ولهذا أمر بتغطية الإناء قال ولو أن تعرض عليه شيئًا, تعرض عليه شيء يعني إذا لم يوجد غطاء فيعرض عليه شيء وذلك أنه يكون جسرًا للهوام الصغيرة فتصعد على هذا الجسر فلا تسقط وهذا العود فلا تسقط في إناء الطعام, كذلك ثبت في صحيح مسلم أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن في السنة ليلةً ينزل فيها داء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ولا سقاء ليس له وكاء إلا نزل فيه من ذللك الداء) (3) هذا أيضًا حماية أو وقاية من هذا الداء الذي ينزل وهو في سنة اله أعلم بها وحدد جماعة من أهل العلم يعني أو ذكر في بعض الأوقات وأن العجم يتحرونه في هذا الوقت المعين فالله أعلم المقصود أن هذا من المصالح المتعلقة بإيكاء السقاء وتغطية الإناء, وكما تقدم أيضًا حماية من الشيطان فإن الشيطان حينما يكون الإناء مكشوف فإنك تجرئه على ذلك خاصة إذا كان الإنسان لم يحتط في دخوله لبيته فلم يسمي الله سبحانه وتعالى عند دخوله فيشاركه المبيت ولا يسمي الله سبحانه وتعالى عند طعامه فيشاركه الأكل,(4) ثم بعد ذلك يجرئه على ذلك بعدم عمل السنة فيبقى في بيته ويتناول الطعام الذي ليس عليه غطاء فيكون هذا الشيطان قد يعني حصل له المبيت وحصل له الطعام معه حينما يأكل وكذلك بعد ذلك ربما أيضًا يشاركه فراشه إذ قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس لو أن أحدكم أتى أهله فقال: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) (5) فإن ولد بينهما ولد لم يقربه الشيطان أبدا, أيضًا مما يدل على هذا أن الشريعة جاءت بأمورٍ أيضًا في هذا الباب عظيمة ومهمه وآداب ينبغي للمسلم يتحلى بها وكله من حرص الشريعة على حفظ الإنسان فجاءت بمصالح في دينه ودنياه, وقد روى أبو داود بسندٍ جيد أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من بات وفي يديه غَمْرٌ -وهو الدهن وأثر الدسم والسمن- أو غَمَرٌ محتمل التحريك أو التسكين الله أعلم فأصابه شيءٌ فلا يلومن إلا نفسه) (6) لأنه حينما يكون في يديه دسم فربما تتشمشم بعض الهوام إليه وتصيبه في بدنه وربما أيضًا تقع يده على بعض بدنه فيصيبها شيء من هذا الدسم فيجلب الهوام إليه وكل هذا كما تقدم حماية ورعاية للإنسان من أسباب الشر كما تقدم في هذا الحديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه البخاري (5623) ومسلم (2012).
(2)أخرجه البخاري (6294) ومسلم (2016).
(3)أخرجه مسلم (2014).
(4) عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ. قَالَ الشَّيْطَانُ: مَا مِنْ مَبِيتٍ وَلَا عَشَاءٍ هَاهُنَا، وَإِذَا دَخَلَ وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ " أخرجه مسلم (2018) (103).
(5) أخرجه البخاري (141) ومسلم (1434).
(6) أخرجه أبو داود (3853) والترمذي (1859). وابن ماجة (3297) وأحمد (10557).