أنا سريع الغضب فأقوم بضرب إخوتي الصغار فيغضب أبي وتغضب أمي مع كوني ملتزم بطاعة ربي فهل يُعد هذا من العقوق؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
عليك أن تجتنب الغضب وأسباب الغضب، والنبي عليه الصلاة والسلام لما سأله رجلٌ أوصني، قال: «لا تغضب». فكرر مرارًا قال: «لا تغضب». كما رواه البخاري عن أبي هريرة (1) ثم ضربك لإخوانك الصغار بوجود أبيك وأمك هذا ليس لك في الحقيقة ولست مسئولًا عنهم المسئول عنهم والدك ووالدتك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر»(2). وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(3). فوالدك ووالدتك هم المسئولون، أنت تُعِينهُم على التربية ولو فرض أن أباك أو أمك فرط في هذا الجانب وتركوهم على أمورٍ لا تُحمد وهم مهملون ومضيعون فعليك أن تناصح وأن ترشد أباك وأمك حتى يقوموا بالواجب عليهم، فإن استجابوا فالحمد لله وإن لم يستجيبوا أنت تعالج الأمر بالحكمة وبالأسلوب الحسن على وجهٍ لا يحصل فيه غضب ويحصل ضد مقصودك في إصلاحهم؛ لأنه إذا حصل ضد المقصود في الإصلاح كان الترك أولى، وأنت تقول إن سبب ضربك لهم هو غضبك ليس سبب الضرب أمر آخر، وقد يحصل منهم شيء من التجاوز بحكم إنهم صغار فمثل هذا واقع، ولو أن إنسان لم يحتمل هذا لم يهنأ بعيش مع أولاده من البنين والبنات وخاصة الصغار، ولهذا العلماء نصوا على أن التأديب والضرب حتى للصغار لا يكون إلا ضربًا خفيفًا ويسير بعضهم قال لا يجوز بالعصا بل يكون باليد ويكون ضربًا خفيفًا ويكون قصده التأديب هذا هو المقصود لا التعذيب، إلا -العلماء استثنوا- إذا رآهم على معصية، فإذا رآهم على معصية فهذا يكون منكر والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده»(4). في هذه الحال لا بأس أن تنكر لأنك مخاطب بهذا كما لو رأيت منكرًا على غيرهم، ولأن هذا يلزم إنكاره حتى على الكبير الأجنبي الذي لا تعرفه فإخوانك من باب أولى، فلو رأى مثلًا أخاه أو أخته على منكر فإنه يجب عليه أن ينكر، لكن يراعي فإذا كان أبوه وأمه حاضرين وهما في العادة ينكران فإن الأمر متوجهٌ إليها، فإما أن يذكرهما بالحال أو هما ينكران مباشرة فإن غفل بيَّن له ذلك فإن لم ينكرا فإنه ينكر لكن مع مراعاة الأصلح وعدم وقوع المفسدة حال الإنكار، أما الكبير الذي قد بلغ فإن الولاية عليه للحاكم والقاضي، ولهذا يقول العلماء إن الكبير من الأولاد الولاية عليه تكون للحاكم وإن كان على الصحيح أنه يجوز للوالد والوالدة أن يؤدبا الكبير إذا رأى أن فيه مصلحة، ولأنه ربما لا يحصل التأديب والتعزير من جهة الوالي فلا بأس وهذا ثابت عن الصحابة في تأديب الكبير، كما صح عن ابن عمر في تأديبه لبعض أولاده وفي زجره وفي ضربه لصدره كما وقع في القصة لما قال: لنمنعهن فضرب صدره قال: "أحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول لنمنعهن"(5).
يعني منع النساء من إتيان المساجد، وهذا معروفٌ في كلام السلف أو في فعل السلف رحمة الله عليهم، فالأمر كما تقدم في باب التربية والتأديب، وتقدم في باب تغيير المنكر الواجب ويخاطب به كل مسلم ومسلمة، وهذا المراد بحال وقوع المنكر أما بعد الفراغ من المنكر فالأمر للولي ومن يلي أمرهم الوالد ووالدة ، فهذا بعد الفراغ من المنكر أما حال وجود المنكر فلا يقر إنسان على منكر وإذا كان التغيير بالإنكار عليه يحصل المصلحة فهذا يجب، وكذلك أنت مع إخوانك عليك أن تراعي هذا وخاصة إذا كان الأمر يغضب أباك وأمك فتجتنب غضبهما وعليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كنت قائمًا أن تجلس وإن كنت جالسًا أن تضطجع، وكل هذا ثبت في الأخبار وجاء في حديث علاج للغضب أيضًا وهو الوضوء(6) وإن كان في سنده كلام فهي من أسباب زوال الغضب وكذلك آثاره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجـه البخاري رقـم ( 6116 ).
(2) أخرجـه أبو داود رقـم ( 495 ) ، وأحمد في المسند ( 6650). والحاكم في المستدرك (1/197).
(3) سورة: التحريم، الآية (6).
(4) أخرجـه البخاري رقـم ( 956 ) ، ومسلم ( 49).
(5) أخرجـه مسلم رقـم ( 444 ).
(6) عن أَبِي وَائِلٍ الصَنْعَانِيِّ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، إِذْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ بِكَلَامٍ أَغْضَبَهُ ، قَالَ : فَلَمَّا أَنْ غَضِبَ ، قَامَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْنَا ، وَقَدْ تَوَضَّأَ ؛ فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ السَّعْدِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ "أخرجه أحمد (4 / 226) ، وأبو داود ( 4784 ) ، والبخاري في التاريخ الكبير( 7 / 8) في ترجمة عطية بن عروة السعدي ، والطبراني في الكبير ( 443 ) ، والبيهقي في الشعب ( 8291 ) ؛ والحديث ضعفه النووي رحمه الله في الخلاصة (1/122) وقال الشيخ الألباني رحمه الله : وهذا إسناد ضعيف ، عروة بن محمد وأبوه هما عندي مجهولا الحال ، ولم يوثقهما غير ابن حبان على قاعدته - يعني في توثيق المجهولٍ-