يقول السائل : هل يجوز للفتاة حال الرؤية الشرعية الخطبة لبس الحلي كالسلاسل، والأقراط، والساعة، ووضع الكحل، وشيء من الزينة، وهل يجوز تحسين الشعر وتزيينه بصبغه، وتغيير لونه، استجابة لطلب والدة الخاطب،مع العلم أن الامتناع من ذلك يضايق الأم ويحزنها، فهل في الأ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
رؤية المرأة الأجنبية للخطبة مشروعة على الصحيح، ومنهم من قال إنها مباحة، والأظهر والله أعلم كما قال الجمهور، أنها مشروعة، وذلك أن القاعدة أن الوسيلة لها حكم القصد، والزواج أمر مشروع، فما كان من وسيلة إلى تيسيره فإنه مشروع، ثم النبي عليه الصلاة والسلام قال: «انظر إليها». أمره وعلل فقال:«لعله يؤدم بينكما»(1). وعلى التعليل المقصود في الزواج النظر هذا كان مطلوبًا؛ لأنه مقصود لأمر محمود شرعًا، فإذا أراد الخاطب أن يرى المرأة، فالسنة في حق المرأة الأولى أن تكون على شكلها المعتاد، بدون تزين، الذي ربما يضعها على صفة أخرى، قد يتغير قلب الزوج بعد ذلك حينما يراها على غير الصفة التي تزينت له. لكن الذي أراه والله أعلم وهو قول الجمهور، أنه لا بأس أن تتزين المرأة لرؤية الخاطب، وهذا ربما يقال له صور، تارة يكون بعلم الخاطب، مثل أن يكون علم أنها سوف تتزين فلا يكون فيه تغليظ، وكذلك الشرط في هذه الزينة ألا يكون فيها نوع تلبيس لأمر من العيوب، أو تجمل زائد عن المعتاد، يخرجها على غير الصورة التي هي عليها، فلا بأس بذلك، ففي هذه الحالة إذا خلت من هذه المحاذير لا بأس بذلك ما دامت الزينة معتادة، وليس فيها تغليظ ولا تلبيس، وليس فيها شيءٌ مما يجعل الزوج يزهد فيها لفوات بعض الصفات التي رآها حال الخطبة. ومن أهل العلم من قال أنه لا يجوز لها ذلك، يعني لا بأس إذا كان على تلك الصفة، وقد ثبت عند مسلم مرفوعاً، وعند البخاري معلقًا، ؟؟ «أنها لما وضعت رضي الله عنها وارتفعت من نفاسها، تجملت للخطاب، فدخل عليه السلام أبو السنابل بن بعكك قال أراك تجملتي للخطاب، ما أنت بناكحه حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة، فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وذكرت له، وأذن لها أن تنكح، لأنها قد وضعت»(2).
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، وهذا عام في المتوفى عنها، وفي المطلقات. المعنى أنها فعلت ذلك في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ثم مثل هذا في الغالب أيضًا أنه يصل إليه، وتجملت كما تقدم، وجاءت الرواية أيضًا أخرى «أنها تكحلت»(3).
وهذا فرع من التجمل، وذكر أحد العلماء رحمه الله هذا الحديث واستدل به في هذه المسألة، وذكر رواية رواها أبو موسى المديني، في كتاب له في الخضاب، قال إنه روى بسنده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر النساء اختضبن، فإن المرأة تختضب، تتزين بذلك لزوجها، والأيم تختضب تتعرض أو تطلب رزق الله سبحانه وتعالى».(4) يعني لأجل الزواج. وهذا الخبر فيه ثبوت نظر، لكن يغني عنه ما تقدم. وعلى هذا لا بأس بالتزين المعتاد الذي لا يكون فيه تلبيس ولا تغليظ، أما المبالغة بالأصيغة والذهب والأشياء التي ربما يحصل فيها شيء من الأخذ بلب الرجل ونحو ذلك، وربما أيضًا يثيره حينما يراها، فهذا زائد عن المعتاد، وهذه رخصه في باب النظر، والأصل أن يقتصر على الشيء الذي يحتاج إليه، ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم أنه إذا خشي أن تثور شهوته، فإنه لا يجوز له ذلك، وذهب الجمهور إنه لا بأس بذلك للإطلاق في النظر، وأنه لو روعي مثل هذا فقد لا يقدم على الرؤيا، وإنه لا يدري ماذا يحصل له، لكن على من يريد الرؤية أن يجتهد في ذلك، وأن يحذر من الأمور المحذورة، فإذا عرض أمر بغير إرادته، فلا شيء عليه إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في سننه (1087) ، والنسائي في سننه (المجتبى) (3235) ، وابن ماجة (1866) وأحمد في المسند (17671)،
(2) أخرجه البخاري معلقاً رقم (3991) و (5319) مختصراً، ومسلم (1484)،
(3) في مسند أحمد (45 / 422(:حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ إِلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَسْأَلُهَا عَمَّا أَفْتَاهَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ بَدْرِيًّا فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ وَفَاتِهِ فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ يَعْنِي ابْنَ بَعْكَكٍ حِينَ تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا وَقَدْ اكْتَحَلَتْ.. الحديث
(4) وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ روى :الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الاستفتاء في معرفة استعمال الحناء عن جابر رضي الله عنه مرفوعا: يا معشر النساء اختضبن فإن المرأة تختضب لزوجها، وإن الأيم تختضب تعرض للرزق من الله عز وجل.