ما حكم عمل المرأة في مكان مختلط مع الالتزام بالزي الشرعي وعدم محادثة الرجال إلا في حدود العمل وتجنب الخلوة المحرمة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
في الحقيقة عمل المرأة في مكان مختلط هذا من أعظم الشر والفساد, ويبعد أن تحصل يعني ضمانات الحشمة بين الرجال والنساء, الأدلة واضحة؛ لكن من يعني في قلبه حساسية من هذا، فإن واقع الناس أو واقع الجهات التي يقع فيها اختلاط أعظم دليل, والقصص المؤلمة في هذا كثيرة, كم ممن دخل في غمار هذا من الرجال والنساء فأصابه شرٌ عظيم وهذا واقع, يعني رؤية الرجل للمرأة ورؤية المرأة للرجل يثير شرًا وفتنةً وفسادًا خاصة في مكان العمل, يعني من أول النهار إلى بعد أنصاف اليوم يعني غالب اليوم وهو في هذا المكان وهي في هذا المكان, ويكون مكاتب ومرور ودخول وخروج وتصادف, وكم وقع من قضايا يعني الحقيقة بدايات حينما تدخل امرأة متكشفة يعني لم تحتط مثلًا وكانت بين النساء هذا بصرف النظر عن أن يكون ضعفاء نفوس من النساء والرجال ؛ لكن كم من امرأة محتشمة ورجل أيضًا محتشم في قوله وكلامه واحتاط لنفسه وصادفها وهي في حالٍ لا يحسن أن يراها فيه رآها متكشفة صادفها أو نحو ذلك, وكذلك مشي المرأة للرجل ورؤيته لها ورؤيتها له وهكذا، والنبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - «أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- رأى امرأةً، فأتى امرأته زينب، وهي تَمْعُس مَنيئةً [له] ، فقضى حاجته منها، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان، وتُدبِرُ في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدُكم امرأةً فليأتِ أهله، فإن ذلك يَرُدُّ ما في نفسه»أخرجه مسلم(1). وفي رواية الترمذي «فليأتِ أهله، فإن مَعَها مثلُ الذي معها»(2)، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن المرأة مع الرجل يزينها الشيطان وأنها تقبل في صورة شيطان وأن الشيطان يزينها له مهما كان, وكذلك الرجل يعني للمرأة في هذا المقام أيضًا وفي هذه الحالة من جهة تعلقها بالرجل وتعلق الرجل بها وتعلق الرجل بها أشد, والقضايا كما تقدم المؤلمة كثيرة جدًا فلا حول ولا قوة إلا بالله، أما الأدلة فكثيرة وبينها أهل العلم, والنبي عليه الصلاة والسلام احتاط احتياطًا عظيمًا في فصل النساء عن الرجال في مقام العبادة, في الصلاة في ذلك الوقت وقت الطهر والعفاف والوحي ينزل النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (شر صفوف النساء أولها, وخيرها آخرها) (3) إن لم يكن هناك شيء يفصل, يعني هناك فاصل يعني ما يعزل بينهما؛ لكن ليس هناك حجاب وكون نساء الصحابة متسترات معتجرات(4) لا يعرفن فكن في الفجر في صلاة الليل يخرجن وهن قد استترن استتارًا عظيمًا فكيف وصف خروجهن في النهار إذا خرجن؟!لا شك أنه يكون أعظم وأشد, ومع ذلك يقول ما قاله عليه الصلاة والسلام وهذا في صحيح مسلم, وله شواهد أيضًا أخرى يعني أدلة أخرى عند ابن ماجة وغيرها, وثبت في صحيح البخاري عن أم سلمة أنها رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته مكث حتى يخرج النساء عليه الصلاة والسلام, (5) يعني مكث في مصلاة قال الزهري: ": نَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ "
وكل هذا لأجل ألا يختلط مع أن هذا لا يعتبر نوع اختلاط هذا مرور في المسجد وخروج يعني مرور عابر, إذا كان هذا المرور العابر في الخروج من المسجد وهو مرور عابر وخروج من مكان صلاة وعبادة مع الاحتشام من النساء والتستر مع احتياط من الرجال وهم الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك يمكث في مصلاه ومعه الصحابة رضي الله عنهم؛ ثم احتاط احتياط آخر عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) (6) يقول لأصحابه, فإذا كان خيرًا إما أن يكون للتمني أو تكون شرطيه بأن يحذف جوابها يعني إذا كان خيرًا الأمر فالمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام تمنى ذلك عليه الصلاة والسلام, ثم وضع بالفعل ولهذا قال نافع: "فلم يدخل أو فلم يخرج منه ابن عمر مطلقًا" حتى وإن لم يكن فيه نساء, أو يكون نساء قد خرجن ومع ذلك جعل باب للنساء عليه الصلاة والسلام خاص, كل هذا احتياط من أجل عدم اختلاط الرجال بالنساء, أو مصادفة الرجل للمرأة, إذا كان هذا في باب العبادة ففي غير هذا الباب أولى, إلا ما استثني في باب لابد منه, مثل ما يقع في الطواف هذه العبادة لابد منها قد يحصل أحيانًا لكن مع الاحتياط, ولهذا كانت عائشة رضي الله عنه تطوف حجرةً(7) ولما طافت جاريتها قالت: "قالت لا جزاكِ الله خيرا" لما قالت طفت قالت: "تزاحمين الرجال!"(8) ثم عند البخاري معلقًا وأنكرت عليها شددت, وأنها طافت شددت عليها, كل هذا لعلمها بعلم النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز للمرأة أن تخالط الرجال, تجتهد, وقد قال عليه الصلاة والسلام لأم سلمة لما اشتكت طوفي من وراء الناس وأنتِ راكبة(9), المقصود أن اختلاط بين النساء والرجال في أبواب العمل يعني يحصل منه شرٌ كثير والوقائع المؤلمة كثيرة, وكم من حصل من فتنة لامرأةٍ ورجل؟! ونحن نرى هذا واقع في كثيرٍ من الأماكن يحصل فيها اجتماع واختلاط بين الرجال والنساء وخاصة في ساعات العمل ويجب الحذر من هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم (1403).
(2) أخرجه الترمذي رقم (1158).
(3) أخرجه مسلم رقم (440).
(4) عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ ، قَالَتْ : " كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ " . أخرجه البخاري رقم (578). ومسلم رقم (646).
(5) رواه البخاري (875).
(6)أخرجه أبو داود رقم (462) وصححه الألباني.
(7) أخرج البخاري في صحيحه(1539) أن ابن جريج قال لعطاء: "..كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال ؟ قَال : لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً -أي:معتزلة- مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ.. "الحديث.
(8) وأخرج البيهقي (9535)، أن مولاةً لعائشة-رضي الله عنها- دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَهَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا : لاَ آجَرَكِ اللَّهُ لاَ آجَرَكِ اللَّهُ تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ! أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها ، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها) فتح الباري (3/ 481 (
(9) وأخرج البخاري(452) ومسلم (1276) عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا -زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ- قَالتْ: شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَال: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ.."الحديث.