مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

ما حكم السفر للسياحة لبعض الدول التي يظهر فيها الفسق؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;  لاشك أن المنكرات التي تظهر يجب تغييرها ويجب إزالتها على كل من قدر على ذلك على وجه يحصل به المقصود، وإذا علم بها الإنسان وأمكن أن ينكرها فإنه يجب عليه أن يسعى إلي إنكارها،(1) فهذا يبين أن السعي إليها بدون إنكارها أو السفر إليها لهو أعظم الجرم عند الله تعالى، فلا يجوز للإنسان أن يقصد الأماكن التي فيها منكرات ويراها ظاهرة وهو بارد القلب لا يغير ولا ينكر ، فهذا يدعوه إلى أن يألف المعصية حينما يراها، وخاصة إذا كان في بلاد عرفت بانتشار المنكرات فيها، فتصغر وتهون عنده تلك المنكرات، ويشتد الأمر إذا كان هذا  مع أولاده الصغار الذين يشاهدون هذه المنكرات على هذا الوجه فيعتادون عليها ويألفونها مما يضر بدينهم وأخلاقهم، مع أن السياحة يمكن أن يحصلها في بلده أو بلد آخر يسلم من هذه المنكرات. والإنسان المسلم عليه أن يحفظ دينه وأن يجتهد في ما يحفظه ويحفظ أهله من الوقوع في هذه المنكرات برؤيتها وعدم تغييرها، بل نص العلماء على أن الإنسان لو علم أن هذا المكان فيه منكر فإنه لا يجوز له أن يذهب إليه، بل لو دُعي إلى مناسبة كأن يكون زواجًا مثلاً، وقد حكى الإجماع جمع من أهل العلم على إجابة الدعوة، ومع ذلك لو علمت أن فيه منكرًا وأنت لا يمكن أن تغيره فإنه تسقط الدعوة ولا تلزمك، فما كان على وجه دون ذلك يكون النهي عنه أشد على قاعدة أهل العلم في باب المفاسد في شدتها وضعفها. وثبت في الحديث الصحيح عند أبي داود في حديث العُرْس بن عَمِيرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: « إذا عُمِلتِ الخطيئةُ في الأرضِ كانَ مَن شَهِدَها فكرِهَها وقالَ مرَّةً : فأنكرَها  كانَ كَمن غابَ عَنها، ومَن غابَ عَنها فرضِيَها كانَ كمن شَهِدَها»(2) هذا منكر غاب عنه لكن رضيه في عموم المنكرات، فالمنكرات التي يقصد إليها ويذهب إليها ويشاهدها يكون الأمر فيه أشد، وخاصة مع تكرر النظر إليها وعدم إنكارها وعدم تغييرها، والله عز وجل أمر العبد إذا رأى أهل المنكر أن يهجرهم، قال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(3) هذا لو كان المجلس في أصله ليس فيه منكر ثم عرض المنكر، يعني أنك معذور في الجلوس في ابتداء الأمر، لكن حصل المنكر بعد ذلك لم تقصد إليه، أنت ربما قصدت هذا المجلس لمصلحة، ربما مجلس فيه فائدة، ثم عرض أمر من الأمور المنكرة فعليك أن تبين فإن لم يمكنك ذلك فعليك أن تترك هذا المجلس لأنك تكون مقرًا له إن لم تترك هذا المجلس، فما تقصد إليه بالسفر يكون أشد على هذا الوجه الذي هو السياحة. أما إذا كان السفر لحاجة لدواء وعلاج أو دراسة لا يجدها في بلده ويكون جلوسه بقدر الحاجة؛ فهذا لا بأس به حسب الضوابط الشرعية.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..الحديث أخرجه البخاري رقم (956), و مسلم رقم (49). من حديث أبي سعيد رضي الله عنه. (2)أخرجه أبو داود رقم (4345), والبيهقي في السنن الكبرى (7/265)، وأبو يعلى الموصلي في المسند (6785)، المعجم الكبير للطبراني (345). (3) سورة الأنعام، الآية 68


التعليقات