يقول السائل : حكم المسبحة بين مجيزٍ للعد وبين من قال أنها بدعة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
المسبحة هذه كما ذكر السائل فيها خلاف، وهي أنواع، منها أنواعٌ بدعة، وهي المسابح الطويلة التي صنعت للمراءت، توضع على الظهر، مسبحة ربما تنزل إلى نصفه، أو إلى قدميه، هذه في الحقيقة تصنع ومراءات، وهذه لا أصل لها، وهناك مسابح يأخذها الإنسان يستعين بها ويضبط بها التسبيح، هذه وقع فيها خلاف، والأقرب الجواز، لكن الأفضل هو التسبيح باليد، لكن إذا كان يقول إنه يستعين بها في العد، عد التسبيح، وأيضًا تعينني على الذكر، إذا كانت معي أتذكر، وهي مسبحة ليست ظاهرة يسبح بها أو نحو ذلك، فهذه جوزها كثيرٌ من أهل العلم واستدلوا بما جاء من الآثار في هذا الباب من حديث صفية(1) وحديث سعد بن أبي وقاص(2)، وهما حديثان فيهما ضعف، وفي حديث صفية أن النبي دخل عليه الصلاة والسلام وبين يديها أربعة آلاف نواة، وقال النبي: "ألا أعلمك ما تقولين"، فعلمها ذكرًا ولم ينكر عليها التسبيح، وفي حديث سعد لما تلك المرأة أيضًا لم ينكر عليها، لكن حديث ضعيف، أيضًا جاء عن بعض السلف رضي الله عنهم شيءٌ من هذا في العد بالتسبيح بالحصى، فلهذا قالوا لا بأس به.
غاية الأمر بدل أن يكون النوى في الأرض أو في اليد يكون معقودًا في هذه النواة ونحو ذلك، وجاء حديث عن عبد الله بن عمر عند أبي داوود "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيحة بيمينه"(3)، وفي حديث يسيرة بنت ياسر، حديث رواه هاني بن عثمان الجهني عن يسيرة بنت ياسر عن يسيرة أم ياسر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "يا معشر المؤمنات اعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات ولا تغفلن فتنسين الرحمة"(4)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، اعقدن بالأنامل، فالأمر بالعقد بالأنامل، ويعقد التسبيح بيمينه، هذا الأكمل والسنة، لكن بعضهم قال التسبيح باليد سنة، والتسبيح بالمسبحة إذا لم يكن على وجه الرياء حسن، وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه إنكار ذلك كما رواه الدارمي عنه بسندٍ صحيح(5) أنه جاء إلى قومٍ وهم يسبحون بالحصى فأنكر عليهم وقال: لقد جئتم ببدعةٍ ضلماء، أو أنكم قد سبقتم أصحاب محمدٍ علما، هذه هي ثاني ثياب رسول الله عليه الصلاة والسلام لم تبلى، وهذه آنيته لم تكسر. فأنكر عليهم وطردهم رضي الله عنه، قال الراوي: فلقد رأيت بعض أولئك القوم يضاعنوننا يوم النهروان. في قصةٍ مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهذا الذي أنكره التسبيح على صفة خاصة، وأن يجتمعون ويجمعون حصى عظيم، ويقولون سبحوا كذا.
هذا لا شك بدعة، أما نفس التسبيح بالحصى واحدة واحدة هذا لم ينقل عن ابن مسعود مثل هذا، وفي هذا الخلاف، وكثيرٌ من أهل العلم قالوا لا بأس به، والأفضل هو التسبيح بالأصابع.كذلك، لكن لا يثبت، هذا نقل عن أبي هريرة نعم صحيح نقل عنه ذلك وأنه كان عنده إناء يكون فيه الحصى يسبح فإذا فرغ منه أمر الجارية عنده أن تعيده ويسبح به مرةً أخرى. (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حديث صَفِيَّةَ رضي لله عنها، تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، قَالَ: "لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي. فَقَالَ: " قُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ": هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ , أخرجه الترمذي (3554) والطبراني في الكبير (24/75) رقم195)، وفي الدعاء (3/1585) رقم 1739، وأبو يعلى في مسنده (13/35) رقم 7118، وابن عدي في الكامل (7/2574) والحاكم في المستدرك (1/547)، والحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1/79).
(2) عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها: أنه دَخَلَ مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم - على امرأةٍ وبين يديها نَوَىً - أو حَصًى - تُسبّح به، فقال: "أخْبِرُكِ بما هو أيْسَرُ عليكِ من هذا، أو أفضل" فقال: "سُبْحانَ الله عَدَدَ ما خَلَقَ في السَماء، وسُبحانَ الله عَدَدَ ما خَلَقَ في الأرض، وسُبحَانَ الله عَدَدَ ما بين ذلك، وسُبحانَ الله.
أخرجه أبو داود (1500) والترمذي (3884) وهو في"صحيح ابن حبان" (837). وقال الحافظ: حديث حسن.
ولأصله شاهد من حديت جويرية بنت الحارث عند مسلم (2726)، والترمذي (3871)، والنسائي في "الكبرى" (1277).
(3) أخرجه أبو داود في الصلاة (1502) والترمذي في الدعوات (3482) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، والنسائي في السهو( 3/ 79)، وابن ماجه في الإقامة (926)، وأحمد 2/ 160 . والحاكم 1/ 547 ". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه أبو داود في الصلاة (1501) و الترمذي في الدعوات (3577) وأحمد 6/ 370 - 371، وهو في مصنف ابن أبي شيبة 10/ 289 برقم (9463). ومن طريق ابن أبي شيبة السابقة أخرجه الطبراني في الكبير 25/ 73 - 74 برقم (180). والحاكم 1/ 547، وصححه ، ووافقه الذهبي .
(5)عن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قُلْنَا: بَعْدُ لَا, فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ- وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْرًا- قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِش.ْتَ فَسَتَرَاهُ، قَالَ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ, فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ, وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصا فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً, فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً, فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً, فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً, وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً, فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً, قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ، وِانْتِظَارَ أَمْرِكَ, قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يُضَيَّعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ؟!، ثُمَّ مَضَى, وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الَّرحْمَنِ حَصاً نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ, قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ, فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ, وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ, هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلى الله عَليهِ وسَلم مُتَوَافِرُونَ, وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ, وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُوا بَابِ ضَلَالَةٍ! قَالُوا: وَالله يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ, قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ, إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلم حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ الله مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. أخرجه الدارمي (222).
(6)أخرجه أبو داود (1500) في الصلاة. باب التسبيح بالحصي، والترمذي (3568) الحاكم في " المستدرك " 1/547-548 وصححه هو والذهبي، وقد حسن الحديث أيضًا الحافظ ابن حجر في "أمالي الأذكار" فيما نقله عنه ابن علان 1/245.