مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

أنا مريضة بالوسواس وكنت أغني أغنية بالإنجليزية ومعناها سنحترق وفي تلك اللحظة وأنا أغنيها وسوس إلى الشيطان في داخلي أنني قلت هذه الجملة لله ورسوله والعياذ بالله، والمصيبة أن نفسي تقنعني أنني نطقت اسم الله والرسول عندما غنيت هذه الأغنية وأنا مسلوبة الإرادة فما الحكم ؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; مثل هذه الأمور والوساوس الواجب الإعراض عنها ولا علاج لها إلا بالكف عنها والإعراض عنها هذا هو الواجب ، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر الصحابة بذلك ، فالإعراض عنها وعدم ذكرها هو العلاج الوحيد لها، وهذا أمر مجرب ومعلوم لدى كل من يقع في مثل هذا الشيء.  أما كثرة طرحها وكثرة سؤالها هذا مما يقوي الشيطان ويفرح الشيطان بل ربما هو الذي يدعوه إلى السؤال، يقول: أنتِ فعلتِ كذا وكذا فاسألي وهو لا يتركه أبداً ولا يتركها وسوف يوقعه في شيء ويوقعها في شيء، فيفتح له باباً ثم باب ولا سبيل إلا بإغلاق هذا الباب كما قال عليه الصلاة والسلام :" فلْيَستَعِذْ باللهِ ولْيَنتَهِ "[1] ، وهذا أمر والأمر للوجوب[2] ، وينته يعني ينته عن مثل هذا ، فهذا يجب الانتهاء عنه كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام  والتلهي عنه والإعراض عنه ، ونقول : لا حكم لهذه الأشياء ، نقول لأختنا : اعلمي أنه لا حكم لهذه الأمور، ولا هذه التخيلات أبداً ولا قيمة لها ولا اعتبار بها والحمد لله لا إثم عليك بذلك ، ومعلوم أن تحسس الأخت أو غيرها ممن يسأل هذا يدل على الإيمان. والنبي عليه الصلاة والسلام قال :" الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ"[3] ، وقال:"ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ "[4]  هذا نكرره لأختنا ولغيرها بمعنى أنما حينما يتضايق عليها من هذا الشيء ويتألم يدل على صدق الإيمان لكن لا ينبغي المبالغة فيه وكثرة السؤال عنه ، لأن الصحابة رضي الله عنهم سألوا عن مسائل أعلى ربما قد تكون أعظم أحياناً ، حتى قال بعضهم : لأن يكون قالها أحب إليه من أن يخر من السماء[5]  أو أن يكون حممة[6]  ، ثم أقول الصحابة رضي الله عنهم حينما سألوا النبي عليه الصلاة والسلام ، لم يقولوا لقد وسوس إلينا بكذا وكذا لعلمهم أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينهاهم عن  ذلك، لم يقولوا : كنت أوسوس بكذا وكذا ، بل يسألون سؤالاً عاماً وهذا هو الذي أوصي به إخواني ممن يقع في هذا، لا يأتي يقول: أنا وسوست بكذا وقال لي كذا ويذكر وساوسه هو يفرح الشيطان بهذا الشيء؛ لأنك تذكر هذه الوساوس وتتكلم بها، وكنت قبل ذلك توسوس بها ويحصل لك شيء من هذا. ولهذا قالوا : "لأن يخر أحدنا أحب من أن يتكلم به" ، فدل على أنه لا يتكلم به ويعرض عنه وأن هذا هو الواجب، إنما الصحابة سألوه أول الأمر ثم بين لهم العلاج عليه الصلاة والسلام وكفوا وأعرضوا عنه - رضي الله عنهم - فكان من أعظم أسباب ذهابه، كذلك أقول لإخواني وأخواتي حينما يتعرضوا لهذه الأمور لا يقول مثلاً أنا كأنني أقول كذا أو كأنني أفعل كذا أو ما أشبه من الوساوس التي تعرض له ثم يتكلم بها ، بل يتأدب بأدب الصحابة الذي أمرهم به النبي عليه الصلاة والسلام، وهو إن عرض الأمر للإنسان في أول الأمر فيقول ، يعرض شيء من الوساوس الشديدة مثلاً ومن هذه الأمور التي أكرهها فلا يفسر يقول إنني أحسست إني قلت كذا، أحسست أني تكلمت بكذا ويتكلم به، هذا مما يعجب الشيطان ويفرح الشيطان ويحزن المسلم والمسلمة، فلذلك حينما لا تأتي بكلامه وتعرض عنه فالشيطان يغتاظ الخبيث، وهذا ربما يوسوس له أثناء السؤال يقول : أنت قلت كذا ، قل كذا واسأل عن كذا فيزيد عليه الوساوس ويزعجه، الواجب هو عدم التفصيل في مثل هذا وعدم ذكره حينما يسأل الإنسان عنه أول مرة، فيسأل سؤالاً مجملاً؛ لأنها كلمات لا تليق ولا تحسن وساوس لا قيمة لها، ولا حكم لها، ثم بعد ذلك يلتزم ويمتثل فيطيع الرحمن، ولا يطيع الشيطان، فلا يسأل مرة ثم ثانية ثم ثالثة ، بل يكف عنها،وأقول أنه ربما في أول الأمر حصل ضيقاً وشيئاً يشق من تلبيس الشيطان الخبيث، ربما لكن حينما يعزم ويجزم وتعزمين وتجزمين وتستعينين بالله - عز وجل -. ولا تبالين وتتعوذين بالله من الشيطان الرجيم وتستبشري بذلك أن ذكرتِ الله - عز وجل - وإن عرض مهما عرض فالشيطان ربما يأتي بخيله ورجله حتى يعيدكِ إلى السؤال، ويقول : اسألي، أنت فعلتِ كذا، لم يفهم قصدك، إنما يظنك أنكِ تسألين عن كذا وكذا كما يقع من بعض من يوسوس له الشيطان ، يقول : لا ، هو قال كذا وأنت قصدت كذا ، ولم يفهم سؤالك ويظن يقصد كذا، فيتلاعب به الشيطان ويتلاعب بك الشيطان ككرة بين أقدام الصبيان، هذا أمر لا يليق.  الجواب من النبي - عليه الصلاة والسلام - في هذا للصحابة لم يقل: هل وسوست بكذا ، هل وسوست بكذا ، بل قال:" الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" ، انظر أضافه إلى الضمير والمعنى جميع كيده يشمل كل كيده ، والشيطان يكيد بأعظم الكيد وأخبث الكيد وشر الكيد لم يقل: إذا كاد بكذا أو كاد بكذا ، بل جميع كيده الذي يعرض للإنسان والذي يوسوس به للإنسان ، كله ولله الحمد لا قيمة له فليرد على هذا الخبيث ويعرض عنه ويتعوذ بالله من شره ولا يذكر هذا الواجب عليكِ يا أختي ، فاستعيني بالله - سبحانه وتعالى - وتوكلي وأبشري بكل خير ، نعم .




[1] - أخرجه  البخاري (3276)، ومسلم (134).. ([2] ) ينظر المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص5 دار الكتاب العربي. التحبير شرح التحرير للمرداوي 5/2202 ، وفي معناها : " الأمر المجرد عن القرينة يقتضي الوجوب " الإبهاج لابن السبكي 2/67 دار الكتب العلمية ، وفي معناها : " إذا ورد الأمر متجردا عن القرائن اقتضى الوجوب " روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة 1/552 . [3] - أخرجه أبو داود رقم (5110) و (5112). [4] - أخرجه مسلم (132) . ([5]) أخرجه أحمد (2097) ، وأبو داود (5112)، والنسائي في الكبرى (10503)، وابن حبان (147). ([6]) أخرجه أحمد (2097) و(3161)، وأبو داود (5112).


التعليقات