يقول السائل :أريد معرفة وسائل لمعالجة الفتور في العبادة بعد إن كانت الهمة عالية؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
الجواب: « إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ ولكلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فمن كانت شِرَّتُه إلى سنَّتي فقد أفلح ، ومن كانت فَتْرَتُه إلى غيرِ ذلك فقد هلكَ»(1) هذا حديث رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وجاء معناه من حديث عبد الله بن عمرو بألفاظ،(2) فالفترة تحصل، ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة: «أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ»(3) على الإنسان ألا يكلف نفسه، يقول عليه الصلاة والسلام: « اكلَفوا من العملِ ما تُطيقونَ ؛ فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا» متفق عليه،(4) وعند مسلم «لاَ يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا »(5). والأحاديث في هذا كثيرة
(دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ:« مَا هَذَا » قَالُوا لِزَيْنَبَ تُصَلِّى فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ:« حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ ». هكذا في حديث أنس،(6) وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ
« فَلْيَقْعُدْ »(7)، وكذلك في حديث أبي هريرة في من قام وقرأ،(8) أو حديث عائشة: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ»(9) إلى غير ذلك، فالإنسان عليه أن تكون عبادته على وجه لا يحصل به ضعف بمعنى أنه يشتد في العبادة فيضعف فيكون وسطًا، لكن لو حصل فتور فعليه أن يسلك الأسباب التي تنشطه، ومن أعظم ما ينشط الإنسان في أبواب الخير هو الصحبة الصالحة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ»(10).
ومعلوم أن الطيب له نشاط، الإنسان قد يكون أحيانًا الطيب نفسه حينما يتطيب الإنسان ويكون في كسل أو ضعف يحس نشوة ونشاط، فالنبي وصفه بأنه كحامل المسك، فلا شك أن حامل المسك وهو أخوك المسلم تجد من النشاط والراحة والأنس واللذة والإعانة على الخير ما لا تجده إذا كنت وحدك، احضروا مجالس العلم وحلق الذكر والحفاظ على الجماعة وإجابة المؤذن والحفاظ على ما تيسر من أبواب الخير، هذه أسباب كثيرة والاجتهاد في الأوراد وقراءة القرآن واسألوا الله سبحانه وتعالى وأن تكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لها أثر عظيم، لا حول ولا قوة إلا بالله(11).أيضًا بعض ما تيسر من الأذكار فإن لها أثر عظيم في قوة الإنسان، وثبت في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى فاطمة وعلي رضي الله عنهما من الأذكار المعروفة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاث وثلاثون، وثلاث وثلاثون، والتكبير أربع وثلاثون، وقال: « أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَنْ تُكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ »(12) ، وهذا يلحظه الإنسان ربما يجهد الإنسان نفسه في بعض الأعمال، فيقول بعض الأذكار فيحصل من القوة والنشاط ما لا يجده غيره ممن لم يعاني أعماله، وهذا يرى في أهل العلم الذين بذلوا أوقاتهم ونشاطهم في سبيل العلم ونشر العلم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي (2453) ، وابن حبان ( 349 ) وأبو يعلى الموصلي في المسند ( 6557 )، والبيهقي في شعب الإيمان( 2626 ).لكل شئ شره قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
(2) أخرجه أحمد (6919 ) ،وابن حبان (1/187رقم 11) ، وابن خزيمة ( 1967 ) وصححه الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة (1/20)، والألباني في صحيح الجامع (2152 )من حديث عبد الله بن عمرو.
(3) أخرجه البخاري (6464) ، ومسلم( 782 ).
(4) أخرجه البخاري (1970) ، ومسلم( 788 ).
(5) أخرجه مسلم (787) .
(6) حديث أنس أخرجه البخاري (1150) ، ومسلم ( 786 ).
(7) حَدِيثِ زُهَيْرٍ " فَلْيَقْعُدْ" أخرجه مسلم (784).
(8) حديث أبي هريرة مرفوعا " . إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع"
أخرجه مسلم رقم (789).
(9) " إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَرْقُد " أخرجه البخاري في كتاب التهجد ( 1144)،
(10) أخرجه البخاري (2101) ، ومسلم ( 2631 ).
(11) عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟ " قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : " لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ " . أخرجه البخاري (4204) ، ومسلم ( 2706 ).
(12) أخرجه البخاري (3705) ، ومسلم ( 2730 ).