ما حكم قول صدق الله العظيم بعد الإنتهاء من قراءة القرآن؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
هذه وقع فيها بحث في هذا العصر، واختلف العلماء وأكثر أهل العلم على أنه لا يشرع، ومنهم من جزم بأنه بدعة، وأنه لا أصل له، بدليلين، الدليل الأول أن هذا عبادة، قول صدق الله العظيم، مثل البسملة أو التعوذ في القراءة الافتتاحية، كذلك ختامه بهذا الدعاء عبادة، كما أن افتتاحها بالتعوذ والبسملة عبادة لا يشرع إلا بدليل، كذلك ختامها عبادة لا يشرع إلا بدليل، ولما ورد الدليل في التعوذ(1) والبسملة(2) عملنا به، ولما لم يرد دليل في ختامها بقول صدق الله العظيم وقفنا عند هذا ولم نزد عليه، فهو عبادة، الأمر الثاني، أنه جاء في السنة ما يدل على أنه لم يعمل، والترك في أبواب العبادات دليل مؤيد للأصل، لأن حينما يقع مثل هذا ولو كان ختامها أو ختمها بهذا القول واقع لا يقم ،في قراءة عبد الله ابن مسعود كما في الصحيحين لما قرأ عليه آية النساء (( فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (3)، قرأ عليه من أول النساء حتى بلغ هذه الآية ( فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا)، قال فالتفت فإذا عيناه تذرفان ثم قال حسبك،(4)
ولم ينقل أنه قال صدق الله العظيم، ولم يقل له ذلك عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه أمر غير مشروع، إذ لو كان مشروعًا لم يتركه ولم يَفُته لأنه من الخير وهل نسبق إلى خير لم يسبق إليه النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يقول صدق الله العظيم يعتقد أن هذا أمر مشروع، واستدل بقوله سبحانه ( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) (5)، (ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) (6)، (ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (7)، وهذا ليس بدليل، والذي في وضع الاستدلال يقول هذا القول، يخبر عن صدقه سبحانه وتعالى، وهذا أمر واجب، يجب اعتقاده، فمن أخبر أو أراد أن يحكم فقال صدق الله، قال الله كذا وكذا، ولهذا الأظهر والله أعلم فيما يتبين أن قول صدق الله العظيم يحسن أن تقال قبل تلاوة الآية لا بعد تلاوتها، وأن تكون تلاوتها في موضع يقصد بالاستشهاد على أمر إما حادث أو حكم، ليس الإستشهاد بها أو ذكرها بعد التلاوة لا، إنما حينما تعرض حادثة أو مسألة من المسائل فيستشهد عليها بدليل بآية من القرآن، أو يستدل بآية فيقول صدق الله، وقد روى الترمذي وغيره حديث بُريده بسند صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب أصحابه في يوم من الأيام فجاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران فلما رأهما النبي عليه الصلاة والسلام نزل من المنبر والصحابة يستمعون إليه فحملهما أحدهما على اليمين والأخر عن شماله، وقال عليه الصلاة والسلام صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى حملتهما،(8) فاستشهد عليه الصلاة والسلام بقوله صدق الله حينما أراد تلاوة الآية، وهذا هو الأظهر والله أعلم هو قولها قبل ذلك عند مناسبة كما تقدم حادثة أو حكم حينما يحكم قاضي أو غيره، واُختلف أيضًا هذه الكلمة متى ظهرت؟ فقد ذكر القرطبي رحمه الله عن الحكيم الترمذي أنه يشرع أن تقال هذه الكلمة بعد التلاوة، وبعد القراءة، صدق الله العظيم وبلّغ رسوله الكريم، وذكر دعاء والحكيم الترمذي رحمه الله لا يعتمد عليه في مثل هذا، وهو متكلم فيه وهو ليس من أهل العلم برواية الحديث، ولو نقله منه أجل منه لم يقبل منه، وذكر الجزري في القراءت العشر عن بعض السلف أنهم كانوا يقولونها عند الختم، وهذا أيسر لأنه ليس المقصود به هو قولها عند ختام الآية، لا هو من جنس الدعاء، دعاء ختم القرآن، على الخلاف فيه ويكون أن نقول دعاء ختم القرآن الدعاء الخاص يدع به الإنسان في بيته كما ثبت عن أنس(9)، كالدعاء العام وسبق الإشارة إلى هذا، وهذا داخل في قول الدعاء الذي يقوله الإنسان بعد تلاوة كلامه سبحانه وتعالى فيثني عليه ويحمده ويشكره ويجله ويسأله سبحانه تعالى بعد ذلك، والأظهر والله أعلم أنها لا تقال في ختام القراءة، لما تقدم من الأصل في العبادات الوقف، وما سبق الإشارة إليه أيضًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقول الله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة النحل 98].
(2) أخرجه الدارقطني (1/312)(36 ) والبيهقي في السنن الكبرى (2 / 376/ح3771) والصغرى (1 / 305)/(968) وشعب الإيمان (2 / 436/ح2324-2325) والديلمي في الفردوس (1/268، رقم 1043)، وذكره الألباني في صحيح الجامع( 729) .
(3) سورة النساء: الآية 49
(4) أخرجه البخاري رقم (5055). ومسلم رقم (802).
(5) سورة آل عمران: الآية 95 .
(6) سورة النساء: الآية 122.
(7) سورة النساء: الآية 87 .
(8) أخرجه أبو داود رقم (1109) والترمذي رقم (3774) النسائي في السنن الصغرى (1413) وفي الكبرى ( 1741(
وأحمد (22485) ، وابن حبان في صحيحه (13/402).
(9) قال الدارمي في السنن : (2 / 560) حديث رقم (3474) :حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت قال:" كان أنس رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا" وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1 / 140) , والطبراني في معجمه الكبير (1/242) حديث رقم: (674) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : (7 / 172): رواه الطبراني ورجاله ثقات. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2 / 368) قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله. ثم قال : هذا هو الصحيح موقوف وقد روي من وجه آخر عن قتادة عن أنس مرفوعا وليس بشيء .