يقول السائل : ما تفسير قوله تعالى{ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الآية واضحة "وكلوا واشربوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ " (سورة البقرة. 187)لكن يمكن يقصد أنه أحياناً يكون في مكان مظلم، وكأنه يريد أن يستمر في الأكل، فعلى ذلك سيدخل الغرفة، ويغلق على نفسه ويطفئ الأنوار، يقول: حتى تضئ الغرفة، هذا لا يمكن، " وكلوا واشربوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الفجر " لم تنزل من الفجر إلا بعد ذلك، فلما نزل من الفجر علموا أنه إنما أراد بياض النهار، وسواد الليل، وهذا واقع في حديث، حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه(1)، وكذلك حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي(2)، وفي الصحيحين، وأنهم كانوا يأكلون حتى يبصر أحدهم الخيط، كان يضع خيط أبيض وخيط أسود، فيأكل حتى يفرق بينهما، الحديث لكن ها هنا حتى يتبين، ما قال حتى يظهر، حتى الآية: حتى يتبين، ولهذا يعني نعلم من رحمة الله أن هذه الظواهر الكونية الليل، والنهار، الفجر، القمر لم يعلق سبحانه وتعالى وجوب الصوم، ولا إهلال الهلال بولادة الهلال أبدًا، وكذلك الإمساك ما علق بظهوره بتبيينه حتى يتبين، ربما يخرج لكن لا نتبيينه نحن مكلفون ومأمورون حينما يظهر لنا، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيتموه فصوموا"(3) متى نصوم؟ إذا رأينا هلال رمضان، ولو قال الحسابون طلع الهلال، وُلد الهلال، نقول: لا أنتم صادقون، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال إذا طلع الهلال، ما قال إذا ولد الهلال، قال: إذا رأيتموه، وعلقه بالرؤية عليه أفضل الصلاة والسلام عليه، وهذا من رحمة الله، ليس معلقاً بالولادة أو بالطلوع، لا معلق برؤيته كسوف الشمس، هذا إذا كسفت الشمس، أخبر حسابون أن الشمس ستكسف الساعة الفلانية، الدقيقة الفلانية الثانية، مثلا نهارًا الشمس أو القمر ليلاً، ثم قبل أن يبتدئ الكسوف، غيمت السماء فلم نرى الشمس، نصلي الكسوف ولا ما نصلي؟ ما نصلي، لماذا ؟ (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) (4)، إذا رأيتموهما هذا من رحمة الله، إذا من رحمة الله أن حجبها عنا بأن ولد الغيب فلم نر، وكذلك ما يتعلق بالأكل والشرب، فأن تأكل وتشرب بمعناه هذا، لكن لما في الغالب لا يمكن يتبين الآن، فنعتمد على ماذا ؟ على التقاويم، التقاويم والتوقيت، وهذه ظنية والظن يعمل في هذا الحمد لله، يعني يعمل به زيادة، لكن يرخص للعبد لو أنه تبين الصبح ويده فيها لقمة أو كأس الماء في يدك، هل تأكل لقمة وتشرب الكأس ؟ يؤذن له في ذلك أنت أخذت الكأس تشرب مثلًا، فتبين لك ذلك، نقول لا بأس، أو أن يكون الإمساك على الآذان ومعك الكأس، نقول لك أكمل الحمد لله، وهذا أيضاً رخصة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا طلع الفجر واللقمة في يد أحدكم فلا يضعها حتى يأكلها، أو قال فليقضي حاجته منها) (5)، يعني واللقمة في يد أحدكم فليأكلها مستثناة لأن النفس تعلقت بها، ولله الحمد، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عن عدي بنِ حاتِم، قال: لما نزلت هذه الآية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] قال: أخذتُ عِقالاً أبيضَ وعِقالاً أسودَ، فوضعتُهما تحتَ وسَادتي، فنظرتُ، فلم أتبيَّن، فذكرتُ ذلك لِرسولِ الله -صلَّى الله عليه وسلم-، فَضَحِكَ فقال: "إن وِسَادَكَ إذاً لعَرِيضٌ طويلٌ، إنما هو الليل والنهار" وقال عثمانُ: "إنما هو سوادُ الليل وبياضُ النهارِ". أخرجه البخاري (1916) و (4509)، ومسلم (1090)،
(2) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : " أُنْزِلَتْ : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ سورة البقرة آية 187 ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْفَجْرِ ، فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الْفَجْرِ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " أخرجه البخاري (1916).
(3) أخرجه البخاري (1900) ومسلم (8) (1080)،
(4) أخرجه البخاري (1052) ومسلم (17) (907)،
(5) عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم-: "إذا سَمِعَ أحَدُكُم النداء والإناءُ على يَدِهِ، فلا يَضَعْهُ حتى يقضِيَ حاجتَه منه" أخرجه أبو داود(2350) وأحمد في "مسنده " (9474) والطبراني في "تفسيره" (3015)، والدارقطني في "سننه" (2182)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 203، والبيهقي في "الكبرى" 4/ 218. وقال الدارقطني: هذا حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط مسلم.