فضيلة الشيخ : في سؤالها الأخير أوردت جزءً من آية: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾[الشورى:49]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الله أعلم ذكر بعض أهل العلم أنه قدم الإناث لبيان فضل تربيتهن، والإحسان إليهن، لأن التقديم مؤذنٌ بالشرف، والعرب إذا قدموا شيئًا في الغالب يؤذنوا بالشرف وإن كان الأداة التي عطف بها لا تقتضي الترتيب، لكن إذا كان المقام مقام سنة في قوله خاصة ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا﴾ فوجه العناية بأمر الإناث من وجهين: من جهتين كما ذكرت أختي السائلة.
- من جهة التقديم.
- ومن جهة التنكير.
والتنكير مؤذنٌ بالتعظيم، لأن (أل) قد تكون جنسيةً، وقد تكون معرفةً والأصل في الأسماء الإعلام مثل: الفضل، والعباس، لكن حينما جاء بها في لقوله إناثًا التنكير في بعض المقامات يؤذنُ بالتعظيم، فالأمر فيه إشارة في عظم الفضل في تربية الإناث، وأن الله سبحانه وتعالى قدمهن في الذكر حينما ذكر سبحانه وتعالى أنه يهب إناثًا لمن يشاء؛ ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا﴾ وقال: ﴿وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ ولم يقل يهب لمن يشاء ذكورًا، فكأنه والله أعلم إشارة إلى تعظيم الفضل أو إلى عظم الفضل فيما وهب سبحانه وتعالى من هذا الجنس من الأولاد وهن البنات، لأن الإحسان إليهن وحسن التربية لهن فيه أجرٌ عظيم، ولهذا جاءت الأخبار في الصحيحين في قوله «من أحسن إليهن» (1) ما قال: أطعمهن أو سقاهن أو رباهن، لا « أحسن إليهن»؛ ثم جاء بصيغة (أفعل) الدالة على الإحسان الزائد، تقول: هذا حسن، وتقول: هذا أحسن، يعني هذا فيه فضل، وهذا أفضل تقول: فلانٌ أفضل من فلان، فالصيغة هذه تقتضي الفضل، ومزيد الشرف، والرتبة العالية في الإحسان، خاصة في الجاهلية معلومٌ شأنهم في أمر النساء، وخاصة البنات، وكانوا يكرهون ولادتهن، فجاء الشرع العظيم لبيان الفضل فيهن، وفي تربيتهن، والإحسان إليهن والنبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، قال: «من عال جاريتين له أو لغيره»(2) حتى جاء فضل الإحسان إلى البنات ليس في بنات الإنسان، ليس في أولاده بل في أولاد غيره من البنات، قال: «من عال جاريتين له أو لغيره». (له) يعني: بناته، (أو لغيره) يعني: لغيره سواء كان قريبًا أو بعيدًا، لغيره القريب مثل أولاد أخيه مثلًا، وكذلك الجد مثلًا مع أولاده مثلًا هذا لغيره، لكنه له لغيره القريب ولغيره البعيد من كان ليس بينه وبينه صلة، وبحسب الإحسان يكون الأجر، وكذلك كلما كانت قوة الإحسان تدعو العبد إلى حسن التربية ولو كنا بعيدات كان الأجر أعظم، وفي الصحيحين أيضًا أنه -عليه الصلاة والسلام- ذكر هذا اللفظ وقال: «كنت أنا وهو كهاتين»(3) وأشار بالسبابة والوسطى.
جاءت الرواية في البخاري وفرق بينهما، جاء في بعضها وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما إشارة إلى أنه له معيةٌ مع النبي عليه الصلاة والسلام،(4) وإن لم يكن في درجته صلوات الله وسلامه عليه، والأحاديث في هذا كثيرة معلومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَأَعْطَيْتُهَا تَمْرَةً فَشَقَّتْهَا بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ " أخرجه البخاري (1418) ، ومسلم (2629) ،
(2) أخرجه مسلم (2631).
(3) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ، أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ " وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (894) ومسلم (2631).
(4)أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (894) ، وفي "التاريخ" 1/166، والحاكم 4/177، عن أنس. وزادوا في متنه: "ومن عال جاريتين حتى تُدرِكا، دخلتُ الجنة أنا وهو كهاتين" وأشار بإصبعين السبابة والوسطى.