الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً}، يعني كان يسأل عن مسألة ما يحتج به بعض القبوريين بهذه الآية على جواز الصلاة عند القبور، وهذا في الحقيقة من الضلال، يعني لو فرضنا أن هذه الآية دالة على هذا المعنى، وأن هذا كان لمن قبلنا، لو فرض، هل يمكن أن نترك الأحاديث المتواترة الصريحة عن النبي عليه الصلاة والسلام والتحذير المستمر حتى وفاته صلوات الله وسلامه عليه من الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد، والحذر من طريقة اليهود والنصارى في الأخبار التي تقدم ذكرها، هل يمكن أن تترك هذه الأخبار الصريحة لدليلٍ ليس مذكورًا في شرعنا إنما في شرع من تقدم، لو فرض على سبيل التنزل أنه جائز، هذا على سبيل العموم. لو فرضنا تسليمًا أن الذين فعلوا ذلك غلبوا على أمرهم بالشرع والدين، غلبوا على أمرهم بمعنى أنهم كانوا مسلمين، لم يكونوا كفارًا بل كانوا مسلمين، وكانوا فعلوا هذا على جهةٍ مشروعةٍ في دينهم، لو فرضنا هذا، أقول لو فرض هذا وأن الذين غلبوا كانوا من المسلمين فإن هذا لا دلالة فيه، مع أن أكثر أهل العلم يقولون أن الذين غلبوا من المشركين، وهم الذين فعلوا هذا الشيء، فهو ليس في شرعهم، ولم يسبق في شرع أحدٍ من الأنبياء ذلك، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(1)، فكل هذا يبين بطلان الاستدلال بهذا، حتى يقول بعض أهل العلم: هذا قولٌ عاطلٌ باطلٌ، وقولٌ ترده النصوص، ولا يستدل أو يأخذ بهذا إلا من كان في قلبه ميل إلى هذه البدع، وربما أيضًا وقع تلبيس من بعض الناس ممن يتقلد قوم يتظاهرون بالعلم ونحو ذلك فيضلون غيرهم، هذا يقع من أناس ممن يعظمون القبور لكن لا دلالة فيها كما تقدم.نحن نقول إن الآية لا دلالة فيها، لأنه في شرعنا وديننا أن هذا لا يجوز، لو كان هذا فعلًا مشروعًا فعلًا مطلوبًا لمدحه وأثنى عليه، بل قوة السياق تدل على الذم، وأن هذا الفعل غير مشروع وأنه مخالف لأنبيائهم ورسل ذلك الزمان، لأنه قال: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ}[الكهف:21]، الدلالة واضحة ولله الحمد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه البخاري (435) ، ومسلم (531) ،