يقول السائل : هل يجوز لمن لديها عذر أن ترافق والدتها للجلوس في الحرم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
دخول الحائض المسجد عند جمهور العلماء لا يجوز لقوله سبحانه وتعالى : ( وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ )[1] ، وقالوا: فإذا كان الجنب لا يمكث في المسجد فكذلك الحائض، وحدثها أشد واستدلوا أيضاً بحديث « فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ »[2] حديث رواه أبو داود، واستدلوا أيضاً بقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ »[3] رواه مسلم، والمعنى أنها تمد يدها ولا تدخل المسجد. ومن أهل العلم من قال : أنه يجوز للحائض أن تدخل المسجد وهو قول المزني وقول ابن حزم وداود وذكره بعضهم راوية أو قولًا عن الإمام أحمد - رحمه الله - وهذا القول له قوته؛ وذلك أن الآية في الجنب وأحكام الحائض تختلف عن الجنب، ويجوز للحائض ما لا يجوز للجنب، وذلك أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن بدون أن تمسه والجنب لا يجوز أن يقرأ القرآن عند جماهير العلماء، كما دلت عليه السُنَّة من حديث علي رضي الله عنه[4] والحائض حيضتها ليست في يدها. أما حديث « فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ » حديث لا يصح من طريق الأفلت بن خليفة العامري وهو ضعيف، وأيضاً روى أحمد والنسائي من حديث ميمونة أنها قالت: كانت أحدانا تدخل المسجد حائض فتبسط الخمرة للنبي عليه الصلاة والسلام والحديث سنده مقارب وهو مقوي لهذا[5]
أما حديث « إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ » فهذا يعني لعل إذا كان عند غير الحاجة أو إذا كانت لا تأمن ذلك من أن تقذر المسجد بدم ونحوه ليكون في أول عادتها مثلاً، أو لم تتحفظ تحفظاً يمنع نزوله أو نحو ذلك فهذا لا يجوز.وكذلك إذا لم تكن هنالك حاجة، فالأصل أنه لا يجوز فهذا هو الأصل أنه لا يجوز كما دلت عليه الأدلة لكن حينما تكون محتاجة لدخول المسجد؛ ولهذا إذا كان الجنب أيضاً وحدثه في يده بمعنى أنه ممكن يتطهر، وله أن يمر في المسجد فالحائض من باب أولى، وقد صح عن الصحابة رضي الله عنهم من رواية زيد بن أسلم رضي الله عنه أنهم كانوا يجنبون ويتوضئون ويجلسون في المسجد وهم مجنبون رضي الله عنهم ، فإذا كان هذا في الجنب وحدثه وطهارته بيده، فالحائض التي تحتاج لسماع العلم، ولا يتيسر لها سماع العلم، وهذا العلم قد يكون في حقها ضرورياً أشد، كما قال الإمام أحمد - رحمه الله - لما سئل عن العلم قال: ضرورة الإنسان للعلم أشد من ضرورة الطعام والشراب، فالطعام والشراب قد يحتاجه في اليوم مرة، مرتين، ثلاث مرات. أما العلم فيحتاجه في كل لحظة، فكيف تمنع من العلم الذي قد لا يتيسر لها ولا أن تسمعه مثلاً خارج المسجد وهي تريد أن تتفقه في دينها، تريد أن تعلم ما يجب عليها هذا أمر عظيم مقصد عظيم، وهذه المفسدة اليسيرة في دخولها للمسجد تزول وتنغمر في هذه المصلحة العظيمة ثم هي في الحقيقة تتحفظ وتحتاط لنفسها وعلى هذا إذا احتاجت لمثل ذلك فلا بأس فيما يظهر إذا احتاجت لمثل ذلك، لأجل الحاجة لمثل هذا الشيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] -[النساء/43]
[2] - أخرجه أبو داود رقم (232) وابن خزيمة: (1327).
[3] - رواه مسلم رقم (298).
4- عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ قَالَ : أَتَيْتُ عَلِيًّا أَنَا وَرَجُلَانِ ، فَقَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ).
أخرجه الإمام أحمد (1011) ، وأبو داود ( 229) ، والنسائي (265) ، وابن ماجه (594). وقد صحح هذا الحديث من الأئمة : الترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، والبغوي ، وعبد الحق الإشبيلي ، وابن عبد البر .
[5] عن مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ إِحْدَانَا فَيَتْلُو الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ، وَتَقُومُ إِحْدَانَا بِخُمْرَتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتَبْسُطُهَا وَهِيَ حَائِضٌ" ,أخرجه الإمام أحمد (26810) ، والنسائي (385) ، قال الألباني: حسن.