امرأة لا تصلي بسبب العذر الشرعي وتوضأت للصلاة هل عليها شيء لو قالت دعاء بعد هذا الوضوء؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
وضوء الحائض قال به بعض أهل العلم إذا دخل الوقت، لكنه قول ضعيف وقد يلزم ببطلانه؛ لأنه لم يعرف هذا الفعل في عهده عليه الصلاة والسلام, وهذا من الطرق التي يسلكها بعض أهل العلم, وهو قيام المقتضي وانتفاء المانع في ترك شيء مما يدل على أنه ليس أمرًا مشروعًا، وهذا يجري في كثير من الأمور التي يدعى عدم مشروعيتها لقيام المقتضي على فعلها وانتفاء المانع الذي يمنع وجودها, فإذا وجد المقتضي ووجد المانع في هذه الحالة يكون دليل على السنية، وإذا وجد المقتضي وانتفى المانع ولم يفعل فإنه يدل على عدم المشروعية، ومثل هذا بأن مسألة قراءة الحائض أو توضؤها مثله لو كان واقعًا لنقل؛ لأنهم أحرص الناس على الخير, لعلمهم بفضل وشرف هذا الوقت، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري»(1). ولم يأمرها بأن تتوضأ إذا دخل الوقت, ثم الوضوء منافٍ للحيض لأن الحدث يجري، وإذا كان الحدث يجري فإن من شرط ارتفاع الحدث انقطاع الموجب وهو الحدث، والحدث متصل بل هو حدث أكبر, وإن قاله بعض أهل العلم أنه إذا دخل الوقت فإنها تتوضأ وتتجه إلى القبلة وتتشبه بالمصلين، والحق أنه قول باطل؛ لأنه لم يعهد ولم يعرف من نساء النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينقل، لكن يمكن أن يقال لو أنها انقطع حيضها ولم يتيسر لها الغسل, أو شق عليها في أول الوقت فتوضأت، فيقال لا بأس أن تتوضأ في هذه الحال تشبيهًا لها بالجنب؛ لأن حالها هنا كحال الجنب؛ لأن طهارتها في يدها يمكنها أن تتطهر كالجنب, ولهذا يشرع للجنب أن يتوضأ وأن ينام على وضوء, ولهذا إذا توضأ الجنب كانت حالة وسط بين حالتين, فلا تحل الجنابة كل بدنه ولا تحل طهارة كل بدنه, ولذا جاز على أحد القولين قراءة آية الكرسي وآخر البقرة مع هذه الطهارة؛ لأنها طهارة متوسطه فلم يرتفع الحدث، وجاءت الأدلة في مشروعية قراءة آية الكرسي(2) وآيتي البقرة (3)ونحوها من السور قبل النوم، وهي أدلة عامة ، والإنسان قد يكون متلبس بحدث أكبر، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر عن عمر أنه قال أينام أحدنا وهو جنب، فقال عليه الصلاة والسلام: «نعم إذا توضأ»(4). وأخبرت عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام، أنه كان إذا ربما نام إذا توضأ وهو جنب صلوات الله وسلامه عليه،(5) فهذا يمكن أن يقال في حالة وضوء الحائض إذا انقطع حيضها؛ لأنها في هذه الحالة تعلقت الأحكام بذمتها, فلو إنها طهرت قبل طلوع الفجر بلحظات, ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر صح صومها؛ لأنها كأنها جنب, وهنالك أعمال متفق عليها بإجماع أهل العلم, كالذكر و قراءة القرآن للحائض من غير مس له, وغيرها من أعمال الخير من العبادات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم (305)، ومسلم رقم (119/1211) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ مَكتُوبةِ ؛ لم يمنعْهُ مِنْ دُخُولِ الجنَّةِ إلا أَنْ يموتَ" أخرجه النسائي في " عمل يوم وليلة رقم (100) ، وهو في السنن الكبرى رقم (9928 ) ، وصححه المنذري في الترغيب رقم (2468 ).
(3)عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قَرَأَ بِالآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتَاهُ " أخرجه البخاري (5009) ومسلم (2714).
(4) أخرجه البخاري رقم (287)، ومسلم رقم (307).
(5) أخرجه مسلم رقم (308).