• تاريخ النشر : 31/05/2016
  • 249
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

يقول السائل: في مسألة مس الذكر، وفيها حديث بسرة وحديث طلق، فهل يقال النسخ حيث علم أن حديث طلق متأخر، أو يقال بالجمع؟ وإذا قيل بالجمع بحمل الوضوء على الاستحباب كما قال شيخ الإسلام، إما يحمل على المس بشهوة؟ أحسن الله إليكم.

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; هذان الحديثان وردا في مسألة الذكر، حديث بسرة "من مسَّ ذكرهُ فليتوضّأ"،(1) وحديث طلق"إنما هو بضعة منك".(2) والجمهور على وجوب الوضوء خلافا للأحناف، وأبو حنيفة وشيخ الإسلام رحمه الله يقول: إنه مستحب، والأظهر والله أعلم هو قول الجمهور لظاهر حديث بسرة وجاء له شواهد زيد بن خالد(2) فهو أظهر، وأيضا جاء عن جمع من الصحابة ممن يؤيده ويشهد له، وهذا هو الأقرب والله أعلم.
والجواب عن حديث طلق من جهات:  الأول: قيل أنه مرجوح وترجح عليه حديث بسرة لأنه أصح منه وأثبت، هذا جواب. الثاني : وقيل إنه منسوخ، وحديث طلق بن علي جاء في رواية عند ابن حبان أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام أول ما هاجر وهم يبنون المسجد، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: "قدموا اليمامي  فإنه أعلم به منكم"(4)يعني خلط الطين والبناء، والجواب الثالث: وهو الأظهر، أننا نقول ليست المسألة نسخ، إنما حديث طلق بن علي رضي الله عنه باقي على الأصل، فنقول الأصل أنه لا ينتقض الوضوء من مس الذكر، كسائر النواقض، فلا نقول هذا ناقض إلا بدليل، فحديث طلق بن علي باقي على الأصل، والنبي عليه الصلاة والسلام لما قال: " بضعة منك" يعني مثل سائر أجزاء جسمك، ولهذا قال بعضهم لا أبالي مسسته أو مسست أنفي، وهذه رواية بن مسعود (5)، والمعنى لحمه- يعني الفرج- مثل سائر جسدك، هذا هو الأصل، وأهل العلم يقولون: إن الأصل عدم النقض، وحديث بسرة ناقل عن الأصل، ومن قواعد أهل العلم أنه إذا تعارض المبقي والناقل، قدم الناقل، المبقي هو حديث طلق والناقل هو حديث بسرة، والشريعة ناقلة، النبي عليه الصلاة والسلام ينقل لأصحابه أحكاماً لم يذكرها قبل ذلك، فنقول هذا الحكم تقرر بقول النبي عليه الصلاة والسلام، ولا نقول إن هذا الحكم ناسخ لما قبله، بل نقول إن حديث بسرة ناقل عن الأصل، هذا هو الأظهر وهو قول جمهور أهل العلم. أما قول شيخ الإسلام رحمه الله في هذا أنه مستحب، وإن قال قاله لصراحة حديث بسرة "فليتوضأ" ولهذا جرت مناظرة بين علي بن المديني ويحيى بن معين بحضرة الإمام أحمد رحمهم الله في مسجد الخيف، رواه الحاكم عنهم بإسناد جيد(6)، وفيها أن يحيى بن معين غلبت حجته حجة علي بن المديني، لكن المسألة من المسائل الاجتهادية والخلافية الذي لا ينكر عن من أخذ بقول دون قول من أهل العلم، أو من تقلد قولا تبع فيه أحدا من أهل العلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه وأبو داود في كتاب الطهارة: الحديث "181"، والترمذي في كتاب الطهارة: الحديث "82" وقال حسن صحيح، والنسائي كتاب الطهارة "1/100" وابن ماجة كتاب الطهارة: الحديث "479" ومالك في  الموطأ في كتاب الطهارة: الحديث "58"، والشافعي في الأم "1/33- 34"، وأحمد في المسند (27334)، وأبو داود الطيالسي الحديث "1657"، وعبد الرزاق الحديث "412"، والدارمي كتاب الطهارة "1/ 185، قال أبوداود قلت لأحمد : حديث بسرة ليس بصحيح ؟ قال : بل هو صحيح،ونقل ابن عبد الهادي في المحرر ( 60) قال البخاري: أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة. (2)  أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة: حديث "182"، والترمذي في الطهارة: حديث "85"، والنسائي في الطهارة حديث "165"، وابن ماجة كتاب الطهارة حديث "483" وأحمد "4/22، 23"، وابن حبان ( (3/403) (1120 عن طَلْق بن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((خرجْنا وفدًا حتَّى قدِمْنا على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فبايعناه، وصلَّينا معه، فلمَّا قضى الصَّلاة جاء رجلٌ كأنَّه بدويٌّ فقال: يا رسولَ الله، ما ترَى في رَجُل .. فذكر الحديث. وفي ((شرح معاني الآثار)) (1/76): قال ابنُ المديني : أحسن من حديث بُسْرَ، وقال الحافظ في الفتح (1/306) صحيح أو حسن،وحسنه ابن القطان في الوهم والإيهام(4/144)، وصححه الألباني في صحيح النسائي. (3)  ذكره الترمذي "1/128"، بعد حديث "82"، وأخرجه ابن أبي شيبة "1/163"، وأحمد "5/194" والبزار "1/148" رقم "283- كشف"، والطبراني في "الكبير" "5/279" رقم "1 522- 5222"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/73"، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" "1/334- 335" وذكره الهيثمي في "المجمع " "1/250"، وقال: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد قال حدثني. (4) صحيح ابن حبان (1122) وبمعنى قريب عند الطبراني في الكبير (8242). (5) أخرجه عبد الرزاق(431) عن معمر عن قتادة عن سعيد بن جبير أن بن مسعود قال:" ما أبالي إياه مسست أو أرنبتي". و أخرج عبد الرزاق(433) قال أخبرنا معمر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين قال:" ما أبالي إياه مسست أو فخذي". و أخرج عبد الرزاق(434) عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن يوسف عن كثير من أهل المدينة أن ابن عباس قال لابن عمر:" لو أعلم أن ما تقول في الذكر حقا لقطعته ثم إذا لو أعلمه نجسا لقطعته وما أبالي إياه مسست أو مسست أنفي". (6) أخرجه الحاكم في المستدرك (481) والدارقطني في السنن (1581) والبيهقي في السنن الكبرى(635).انتهى


التعليقات