يقول السائل: قراءة القرءان من الجوال هل يشترط لها الطهارة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
تقدم الإشارة في ذلك في السؤال عن كتابة القرءان في السبورة، أما الجوال ففيه نظر لأهل العلم في هذا الزمان، منهم من يقول إنه يجوز، ومنهم من شدد في هذا.
والقول بالجواز قول جيد، وذلك أن الجوال لا يُسمى مصحفاً ولا قرءاناً وهو يخرج في الحقيقة على أوجه:
الأول: إما أن يقال أن الجوال مشتمل على القرءان وعلى أشياء كثيرة غير القرءان مثلما نقول في كتب التفسير المشتملة على القرءان وغير القرءان، فالذي يحمله إذا كان حمل كتب التفسير وغيرها جائز للمحدث وكذلك أيضا للجنب، فالجوال من باب أولى لأنه لا يمكن أن يكون مصحف وأشبه ذلك، هذا وجه.
الوجه الثاني: من جهة مس الجوال، أن المحذور عند الجمهور على المحدث هو أن يكون مس المصحف بلا حائل، أما إن كان مسه بحائل فإنه جائز؛ ولهذا يجوز أن يحمل علاقة المصحف التي فيها المصحف مثلا، أو يكون في صندوق ، فالعازل الذي بين القرءان الذي في الجوال ونفس القرءان ربما يكون أشد، من جهة أنه لا يمكن أن تمس الآيات بمعنى أن تمسها مساً مباشرة في الحقيقة؛ لأنك مهما وضعت يدك فإنك تضع يدك على الشاشة.
وجه آخر: أيضا يمكن أن يقال أن وجود المصحف في الجوال يشبه وجود المصحف في صدر الإنسان، وفي الحقيقة ليس موجودا على هيئته التي يوجد فيها القرءان، كما يوجد في الصحف أو في الأوراق، إنما هو مجرد ذبذبات، وإلا في الحقيقة ليس هناك نفس الحروف ليست موجودة، إنما هي ذبذبات يبرز فيها الآيات والحروف على نفس هذه الصفحة ثم تذهب هذه الصفحة.
أيضا ممكن يخرج على وجه آخر: أن يقال أنه يشبه وجود المصحف في شيء لا يثبت وجوده عليه كوجود مصحف مثل ما تقدم على سبورة حين يفرغ فهو يمسحها فهو وجود عارض، فإذا كان الوجود العارض على السبورة على ما تقدم فيجوز مسه، فوجوده على شاشة الجوال وجودا معترضاً وليس أصليا فمن باب أولى بالجواز، لأن الذي يمسح الآيات في السبورة يمسح آيات حقيقية يمسحها ويباشر المسح، أما على الشاشة فالحقيقة أن الآيات على هيئة ذبذبات ثم تزول بعد ذلك ولا وجود لها.
فجهات تخريج المس للجوال كثيرة، و يمكن أن تقوى على جواز حمله أو مسه كما تقدم؛ لفوات المعاني التي تحذر في مس المصحف إذا كان في ورقة أو كان في مصحف كذا.
أما الوجه الذي يحذر في الجوال هو بروز هذه الآيات حينما تدخل خلاء مثلا، أو وجود الصوت عندما يشغل الجوال أو نحوه من الأجهزة الأخرى وتدخل بها بالخلاء، فهذا ليس من جهة مصحف موجود في الجوال، لا، هذه من جهة إكرام القرءان أنه لا يقرأ في الخلاء أو نحو ذلك.
ولهذا الإنسان يكون القرءان في جوفه ويدخل الخلاء، لكن لا يقرأ القرءان في الخلاء، ينهى عن قراءة القرءان في الخلاء.
كذلك أيضا لو كانت الشاشة مفتوحة والآيات ظاهرة فالأظهر والله أعلم أنه لا يدخل الخلاء به والآيات ظاهرة؛ لأنه ينافي إكرام القرءان بل عليه أن يزيلها أو لا تكون ظاهرة على الشاشة فهذا وجه آخر غير وجه مسألة مس المصحف، هذا يتعلق بإكرام القرءان بأن يقرأه في مثل هذا الموضع.