يقول السائل: الحائض هل يجوز لها التيمم وقراءة القرءان؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
الحائض لا يشرع لها الوضوء ولا التيمم؛ لأن الوضوء يشرع لرفع الحدث، والتيمم أيضا يشرع لرفع الحدث عند فقد الماء أو العجز عن استعماله.
والحائض في حال حيضها كيف تتوضأ؟ أو كيف تتيمَّم في هذه الحال؛ لأنها لو تيممت فحدثها مستمر، ومن شروط صحة الوضوء انقطاع الموجب للحدث، وحدثها مستمر معها، فلهذا لا يشرع لها التيمم ولا الوضوء.
وإن كان بعض أهل العلم قال: يشرع للمرأة إذا دخل الوقت أن تتوضأ وأن تستقبل القبلة وأن تذكر الله، يعني تشبهاً بمن يصلي، وهذا في الحقيقة لا أصل له، وإن قيل إنه بدعة لم يبعد مثل هذا، ولم يفعل ولم يذكر عن نساء النبي عليه الصلاة والسلام ولم يأمر به صلوات الله وسلامه عليه.
والحمد لله أبواب الخير والبر كثيرة من أعمال الخير التي لو أراد المكلف أن يحصيها لم يستطع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها " واصنعي ما يصنع الحاجُّ غيرَ أن لا تَطوفي ولا تصلِّي حتى تطهُري"(1)، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحيانه(2)، فلهذا لا يشرع مثل هذا.
ومن أهل العلم من قال: يشرع لها إذا أرادت أن تنام أن تتوضأ كما تتوضأ الجنب، وهذا أيضا لا دليل عليه ولا يشرع مثل هذا.
لكن هناك مسألة:
يمكن أن يقال لا بأس بها، وهي لو انقطع دمها حيضها، في هذه الحالة انقطع الموجب للحدث وشرع لها أن تغتسل، في هذه الحال تشبه حالتها الجنب، المرأة إن انقطع دمها وصح غسلها فإن حالتها تشبه الجنب، فالجنب لو اغتسل ارتفع حدثه بالإجماع ، لكن لو أنها في مثل هذه الحال توضأت بلا غسل؟ فبعض أهل العلم يقول: لو توضأت بلا غسل خف حدثها، وهذا التخفيف يشرع معه أن تقرأ شيئا من القرءان كقراءة آية الكرسي ونحو ذلك عند النوم.
وهل تتيمم مثلاً مع وجود الماء؟ هذا ينبني على مسألة الجنب، هل يشرع له أن يتمم مع قدرته على الماء إذا شق عليه الوضوء، والسنة للجنب أن يتوضأ والأفضل أن يغتسل، لكن تخفيفه بالوضوء هذا هو الثابت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأمر أن ينام المسلم على وضوء إن لم يغتسل.
ففي هذه الحال وهي مسألة لو ضَعُف عن الوضوء، هل يشرع له أن يتمم؟
ذهب بعض أهل العلم على أنه لا بأس للجنب أن يتيمَّم مع وجود الماء إذا كان عليه مشقة، وإن كان هذا التيمم لا يجوز أن يصلي به، لكن لأجل أن يذكر الله على حال التيمم.
وجاء في حديث جوّده بعض أهل العلم، ذكره الطبراني في بعض معاجمه، أنه -عليه الصلاة والسلام- " كان رسولُ اللهِ إذا واقَع بعضَ أهلِه فكسِل أنْ يقومَ ضرَب يدَه على الحائطِ فتيمَّم"(3) يعني كان إذا أجنب وكسل أن يتوضأ ضرب بيديه الحائط، فاستدلوا به على أنه لا بأس أن يتمم الإنسان مع وجود الماء وإن كان جنبا إذا ضعف وكسل.
واستدلوا أيضا بما جاء في الرواية الصحيحة من حديث أبي الجهيم، حينما دخل النبي عليه الصلاة والسلام المدينة فلقيه رجل فسلّم عليه، فضرب بيديه الحائط فتيمم ورد عليه السلام(4)
واستدلّوا به على أن الشيء الذي يفوت كرد السلام ونحو ذلك يشرع له التيمم، وإن كان هذا التيمم لا يجوز للشيء الواجب كالصلاة ومس المصحف، إنما للشيء الذي يخشى أن يفوت، مع أنه لو رد السلام لا بأس فيه، لكن أراد أن يكون على حال أكمل، يرد السلام على حال طهارة، فهذا يظهر أنه لا بأس به.
وتوسع بعض أهل العلم فيه وذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله وعزاه إلى أبي حنيفة، وهو لو خشي فوات صلاة الجنازة، مثل لو حضر صلاة الجنازة، ولو ذهب يتوضأ لذهب الناس لصلاة الجنازة وفرغوا هل يشرع أن يتيمّم ويصلي الجنازة؟
نقول: لا، لا يجوز صلاة الجنازة إلا على وضوء لأنها صلاة؟ جمهور العلماء يقول: لا تجوز صلاة الجنازة إلا على وضوء، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجوز له أن يتيمّم؛ لأنه لو أُمر بالوضوء لفاتت صلاة الجنازة.
وجمهور العلماء يستدلّون بعموم الأدلة لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يقبلُ اللهَ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضأَ"(5)، وحديث "لا يَقْبَلُ اللهُ صلاةً بِغيرِ طُهُورٍ"(6) وكذلك حديث أبي المليح عند أهل السنن بإسناد صحيح "لا يَقْبَلُ اللهُ صلاةً بِغيرِ طُهُورٍ" (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض: الحديث "305"، ومسلم في كتاب الحج: باب بيان وجوه الإحرام، الحديث "119/1211" .
(2) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه). أخرجه مسلم كتاب الحيض (373).
(3) أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط رقم (661)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد(1/ 264) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4794).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التيمم حديث (337).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6554) ومسلم (227).
(6) أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رقم ( 224 ).
(7) أخرجه أبو داود رقم (53) والنسائي (2524) وابن ماجة(271) وقال الحافظ في التلخيص: وهذا الحديث صحيح صححه ابن حبان، وقال البغوي: هذا حديث صحيح.