هل تصح قصة عمرو بن العاص أنه تيمَّم، ولم يغتسل لبرودة الماء؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
نعم صحيحة، والقصة في حديث رواه أبو داود في سننه(1)، وذكر البخاري في صحيحه الحديث معلقاً فقال:" ويروى عن عمرو ابن العاص أنه صلى في أصحابه وهو جنب" (2) رواية جيدة.
والحديث أخرجه أبو داود من طريقين من رواية عمرو بن العاص رضي الله عنه : (لمَّا بَعَثَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عامَ ذاتِ السلاسلِ قال: احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ شديدةِ البردِ فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أَهْلَكَ فتيمَّمتُ ثم صلَّيتُ بأصحابي صلاةَ الصبحِ، قال فلمَّا قَدِمْنَا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذكرتُ ذلكَ لهُ، فقال يا عمرُو صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جُنُبٌ؟ قال: قلتُ نعم يا رسولَ اللهِ إني احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ شديدةِ البردِ فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أَهْلَكَ وذكرتُ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }(النساء: 29) فتيمَّمتُ ثم صلَّيتُ، فضحكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولم يَقُلْ شيئًا.
فسكت عليه الصلاة والسلام ولم يُنكر عليه، فهي قصة جيدة كما تقدم.(3)
وفي رواية أخرى أنه توضأ وغسل مغابنه أي المصافد في الفخذين والركبتين ونحو ذلك(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (334) وأحمد (4/203 ـ 204)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (323).
(2) أورده البخاري في صحيحه معلقاً في كتاب التيمم، فقال: باب/ إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم، ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم، قال الحافظ ابن حجر: وإسناده قوي ، لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه اختصره.
(3) أخرجه أحمد وأبو داود من طريق ابن لهيعة قال: ثنا يزيد بن أبى حبيب عن عمران بن أبى أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص أنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل.. الحديث، ورواه أبو داود والدارقطنى (ص 65) من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبى حبيب به، وقال أبو داود: " عبد الرحمن بن جبير مصرى مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نضير، قلت: ورواه أبو داود عن محمد بن أبي سلمة ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة وعمر بن الحارث ، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير المصري ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص به، وهذا والله أعلم أشبه بالصواب؛ لأن ابن لهيعة وإن كان سئ الحفظ فقد تابعه عمر بن الحارث، والراوي عنه هنا عبد الله بن وهب، وقد بينت هذه الرواية زيادة واحد في الإسناد وأن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع الحديث من عمروبن العاص مباشرة، بل بواسطة أبي قيس مولى عمرو بن العاص وهو ثقة، كل هذه مرجحات، وقال السيوطي في التدريب ص 201: الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بحرف عن فينبغي أن يجعل منقطعاً أهـ .
قال الشيخ علاء الدين في الجوهر النقي (1/225): ذكر البيهقي في الخلافيات أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع الحديث من عمرو بن العاص أهـ.
قلت: كل هذا يعطينا أن هذه الرواية هي الراجحة وإسنادها جيد، والله أعلم
(4) أخرجه الحاكم (1/177) والبيهقي: ص 266.