• تاريخ النشر : 01/06/2016
  • 301
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

ما السبب في أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; الواجب على العبد أن يقول: سمعنا وأطعنا, كما حكى الله عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا}([1]). نسمع ونطيع ولا نقول في أي أمر ما الحكمة؟ إذا قلنا هذا لم نكن عبادًا لله, كنا عبادًا لعقولنا؛ إذا كان الشيء تفهمه عقولنا وتدركه عقولنا سلمنا, وإذا كان لا تدركه عقولنا توقفنا, هذا ليس عبد لله هذا عبد لعقله وهواه, مع أننا نجزم أن الشريعة شريعة الحكمة, وأن جميع أمورها على الحكمة وهذا هو الغالب على الشريعة, إنما في النادر اليسير أمور ربما يعني تكون الحكمة فيها لا تظهر لا تأصيلًا ولا تفصيلًا وربما تظهر الحكمة أحيانًا تأصيلًا لا تفصيلًا. وعموم الشريعة من جهة الحكمة هي أمور محكمة, والله سبحانه وتعالى هو {هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}([2]) {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}([3]){إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}([4]), سبحانه وتعالى وهذا أمرٌ مقرر في كلام أهل العلم. و مسألة الأكل من لحوم الإبل مع أن فيها خلاف بين العلماء على أنه لا ينقض, وذهب أحمد وهو قول الظاهرية أنه ينقض وهذا هو الذي اختاره الأئمة الكبار من أئمة المذاهب اختاره أبو بكر بن المنذر وابن خزيمة والبيهقي والنووي من أئمة الشافعية؛ والذي جعلهم يختارون ذلك الدليل في هذه المسألة؛ الدليل البيَّن الواضح من حديث جابر بن سمرة(5) والبراء بن عازب (6) وهي صريحة في هذا, وما سواها من الأقوال أو الأدلة فلا يمكن أن تُرد أو أن تُقابل بهذا الدليل الصريح, لأنها كلها محتمله.أقوى ما فيه حديث جابر رضي الله عنه (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مسته النار) (7) وهذا الخبر في الحقيقة عند التأمل يتبيَّن أنه لا دليل فيه, لأن الحديث بهذه الرواية مختصر, ثم الراوي فيه تكلم فيه لأنه رواه مختصرًا, ولهذا وهَّم بعض أهل العلم في هذه الرواية, وهو عند أبي داود بإسناد أقوى مطول وهذا مختصر منه وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- أكل لحم بعير ثم توضأ -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الظهر, ثم لما حضرت العصر أوتي بشيء منه أو بعلالة منه, فأكل منه لصلاة العصر فلم يتوضأ, فكان آخر الأمرين من رسول الله يعني في هذه القضية ترك الوضوء مما مست النار, فأخذ الحديث دون القصة هذه؛ هذا لا شك موهَّم وهذا الخطأ الذي وقع فيه أحد الرواة حيث رواه على هذا الوجه فكأن الراوي الصحابي أخبر أنه منسوخ مع أن ظاهره ترك الوضوء مما مست النار, ظاهره أنه مما مست النار مطلقًا مع أن الأحاديث صريحة في الوضوء مما مست النار ، لكنه مستحب.المقصود أن هذا هو الصواب كما تقدم, والحكمة -الله أعلم- نحن نقول: هكذا أمرنا فهذا الواجب ، يعني على سبيل التحقيق. أما على سبيل النظر فالعلماء التمسوا فقالوا: إن لحم الإبل يثير في النفس ربما شيء من الشدة أو القسوة ولهذا أخبر صلى الله عليه وسلم قال: « إن غِلَظ القلوب في الفدَّادين أهل الإبل»(8), أو كما قال صلى الله عليه وسلم لمن يصاحبونها. وفي حديث البراء بن عازب(9)  أنه قال: "إنها من الشيطان فخلقت من الجن"عند ابن ماجه(10) وعند أبي داود(11), من الشياطين. وفي الحديث الآخر عند أحمد «عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُ عليها فاذكروا اسم اللَّهَ »(12)  فهذه الأحاديث جاءت في هذه المعنى, فقالوا: إن أكلها إذا كانت مخالطتها تُثير في النفوس ما ذكر صلى الله عليه وسلم, وأن مخالطته يكتسب من أخلاقهم من الشدة والقسوة فكيف من يأكلها فتُخالط لحمه ودمه؟ فإن تأثيرها يكون أعظم فهي تثير حرارة مثل ما يثير الغضب, وثبت عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَان, وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ, فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ»(13), فالغضب فيه حرارة, والوضوء فيه برودة, وكذلك أكل لحم الإبل يثير حرارة وشدة, والوضوء يبرد البدن على الوصف المذكور, الوصف في صفة الوضوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والطهور شطر الإيمان"(14) فهو يُبرد ظاهره ويتوضأ فيتلطف بدنه, وله أثرٌ باطن على القلب فتسري الطهارة الباطنة على قلبه فتكون طهارةً ظاهرة وطهارةً باطنة, وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى حكمة ظاهرة, حتى قال بعضهم: أنه يتوضأ من لحوم السباع لهذه العلة, لكن هذا فيه نظر. إنما هذا ورد في الإبل خاصة مع أن السباع ورد تحريم أكلها(15).ففرض هذه المسألة على هذا, وأورد ابن القيم شيء من هذا, وجعله إما قولًا ذكره أو نسبه إلى أحد يُنظر الكلام في "إعلام الموقعين"(16) من باب أنه أولى إذا كان يتوضأ من لحوم الإبل وتقدم أن هذا فيه نظر ولا دليل بيَّن في المسألة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة البقرة الآية:285. (2)  سورة يوسف. الآية 83. (3)  سورة النساء. الآية 17. (4)  سورة الأنعام. الآية 83. (5) أخرجه مسلم برقم (360).حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه (6) أخرجه أبو داود برقم (184). حديث البراء. رضي الله عنه (7) أخرجه داود (192) والترمذي (80) والنسائي (185)، وصححه الألباني. وقد ذهب بعض أهل العلم كأبي داود وأبي حاتم الرازي وابن حبان وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ، إلى أن شعيب بن أبي حمزة الراوي عن ابن المنكدر عند النسائي اختصر الحديث، فأخطأ فيه، فأوقع هذا الاختصار المخل للحديث في لبس، وأن الحديث عند من بسطه لا يدل على ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ وإنما فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل لحمًا عند امرأة من الأنصار، ثم قام إلى صلاة الظهر، فتوضأ، وصلى، ثم عاد مرة أخرى، فقدمت له بقية اللحم، فأكل، ثم قام، وصلى العصر، ولم يتوضأ، فأراد شعيب أن يختصره، فقال: كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، والمقصود بالأمرين أي في شأن هذه القصة، وليس في الأمر العام الشرعي، على أن الحديث له علة أخرى، فقد قيل: إن محمد بن المنكدر لم يسمعه من جابر؛ وإنما سمعه من عبدالله بن محمد بن عقيل، وأكثر أهل العلم على ضعفه. قال الحافظ البخاري في التاريخ الصغير (2/250): وقال بعضهم: عن ابن المنكدر: سمعت جابرًا، ولا يصح. اهـ وقد أخرج أحمد (3/307) ثنا سفيان، سمعت ابن المنكدر غير مرة يقول: عن جابر، وكأني سمعته مرة يقول: أخبرني من سمع جابرًا، ظننته سمعه من ابن عقيل. (8) أخرجه البخاري رقم (4387) ومسلم رقم (51) (9) ( إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم ، فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة ، وإذا أدركتم وأنتم في أعطان الإبل ، فاخرجوا منها وصلوا ؛ فإنها جن خلقت من جن ، ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها ؟ ! ) أخرجه النسائي ( 546 ) ابن ماجه ( 548 ) مختصراً وبلفظه أخرجه الشافعي في  الأم ( 539)، وأحمد في المسند ( 542 ) والبيهقي ( 544 ) والطبراني في المعجم الكبير ( 557 ) و( 558 ) و البغوي ( 504 ). كلهم من حد يث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة و الموضوعة ( 5/237 ) :ضعيف جداً. (10)عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ ، فَقَالَ : (لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ ، فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ ) أخرجه أبو داود (493) وصححه الألباني في الإرواء (176) وفي لفظ ابن ماجه : ( 769) : ( فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ). (11) عن الحسنِ البصري عن عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" إذا حضرتِ الصلاةُ وأنتمْ في مرابضِ الغنمِ فصلُّوا ، وإذا حضرتِ الصلاةُ وأنتم في أعطانِ الإبلِ فلا تصلُّوا ؛ فإنها خلقتْ من الشياطينِ "أخرجه ابن ماجة (768 و769) وأحمد في المسند رقم ( 20560) وفي مسند الطيالسي: (913) وفي مصنف ابن أبي شيبة: (3877) وفي سنن البيهقي الكبرى (4153) وفي صحيح ابن حبان( 1702 )، وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (1/123): وسندُهُ صحيحٌ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3788 و 1439) (12)أخرجه ابن خزيمة (2385) والحاكم في المستدرك (1/444) من مسند أبي هريرة رضي الله عنه، وعند أحمد في المسند رقم ( 15609) وابن خزيمة في صحيحه (2384) من مسند حمزة بن عمرو رضي الله عنه. (13)أخرجه أبوداود (2385) وأحمد في المسند رقم ( 17524) والطبراني في الكبير (443) والبيهقي في شعب الإيمان الكبرى (8291) من مسند عطية بن عروة رضي الله عنه. (14) عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها. أخرجه مسلم ( 534). (15) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير». أخرجه مسلم ( 1934). وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع». أخرجه البخاري ( 5210). و مسلم ( 1932). وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ذي ناب من السباع فأكله حرام». أخرجه مسلم ( 1933). (16) ابن القيم في كتابه " إعلام الموقعين " (2 /134).


التعليقات