يقول السائل :ما حكم المعانقة عند التعزية؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
المعانقة تشرع إذا قدم الإنسان من سفر، كما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، ثبت من حديث أنس رضي الله عنه عند الطبراني قال: «كان أصحب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا»(1)، وجاء عن الشعبي أيضًا مثلما جاء عن أنس رضي الله عنه(2)، هذا هو السنة يكون عند القدوم من سفر، مثل إنسان لقي أخاه أو صاحبه وكلاهما في البلد، لكن لم يروا بعضهم منذ مدة طويل، فقالوا: لا بأس أن يتعانقا؛ وذلك أن التحية والمعانقة من تحايا أهل الإسلام، وتحايا أهل الإسلام الأصل أنها عبادة، لكن كونه يحي بالقول ويزيد بالكلمة الطيبة هذا باب مفتوح ولله الحمد، لكن الهيئة والصفة هذه عبادة مثل المصافحة، يكون باليمين ما يكون بالشمال، وهكذا العناق لا يكون بالتقبيل الفم على الفم بين الرجال، وكذلك النساء، يكون معانقة.
فمن هذا المعانقة في حال التعازي ليس هناك دليل عليها، والناس اعتادوها اليوم، ومثل المعانقة في أيام العيد، من أهل العلم من يقول: إن هذه ليست مشروعة، ويقتصر على ما جاء في السنة من المصافحة، ويقولون الكلمات الطيبة، ومن أهل العلم من وسع في هذا، وقال: هذه مناسبات يحصل بها أنس وراحة، والإنسان يشتاق إلى أخيه يريد أن يضمه إليه، يريد أن يعانقه، وبالجملة كما قال الإمام أحمد رحمه الله في تحايا العيد : "من ابتدأني رددت عليه " وإذا أحس المسلم من أخيه أنه ربما وقع في نفسه لو لم يعانقه، فلا بأس أن يعانقه درءًا للخلاف والنزاع، وقد يكون الإنسان يرى مسألةً أو قولاً لكن قد يقع في نفس أخيه لو لم يعمل معه ما يحب يقع منه جفوة، فلا بأس أن يترك هذا الأمر، ولو كان راجحًا عنده، ولو كان السنة لأجل التأليف؛ ولهذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه تترك السنة أحيانًا لأجل تأليف القلوب، ولو كان أمر مسنون والناس على أمر آخر فلا بأس أن يترك لأجل تأليف القلوب.
والنبي ترك أمورًا واجبة عليه الصلاة والسلام لأجل تأليف القلوب، ولو أن إنسان جاء إلى قوم يقنطون وهم مستمرون في القنوط في صلاة الفجر مع أنه ما ثبت في حديث صحيح(3)، بل هو حديث ضعيف، ولو لم ينقط بهم لحصل بينه وبينهم نفرة، فقنط تأليفًا لهم حتى يسمعوا منه فلا بأس، فهذا الأمر أيسر، لأجل ألا يحصل جفوة؛ خاصة أنهم اعتادوا مثل هذا الشيء، فإن أمكن أنه يعلمهم أن يكتفى بالمصافحة فلا بأس وإلا فيراعي ما هو أجمع للنفوس والقلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط»: (1/37) رقم: (97)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال الهيثمي في المجمع: (8/75): «أخرجه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (6/303).
(2) وأخرج البيهقي ( 7 / 100 ) بسند صحيح عن الشعبي قال :" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا ، فإذا قدموا من سفر عانق بعضهم بعضا " .
(3) أخرجه أحمد( 3/ 162)، وعبد الرزاق في المصنف (3/110)، والدارقطني( 2/39)، السنن الكبرى للبيهقي( 2/201) والطحاوي في شرح معاني الآثار( 1/143)، ونقل البيهقي عن الحاكم قوله: هذا إسناد صحيح سنده، ثقة رواته،مجمع الزوائد (2/331) .قال الإمام النووي في المجموع: "وهو حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه، وممن نص على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي والحاكم أبو عبد الله في مواضع من كتبه والبيهقي، ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة" المجموع شرح المهذب( 3/484).قلت: وهذا الحديث مروي من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم ثم ترك، فأمَّا في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن ماهان الرازي، قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: "صدوق سيء الحفظ" تقريب التهذيب ص (629) وهو ممن يُحسَّن حديثهم لذاته، لذلك نجد أن الحافظ ابن حجر قد حسن هذا الحديث في نتائج الأفكار( 2/136 .) ولهذا الحديث شاهد صحيح يقويه، ففي الصحيحين عن عاصم قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن القنوت في الصلاة، فقال: نعم، فقلت: كان قبل الركوع أو بعده. قال: قبله. قلت: فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت بعده. قال: كذب: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا أنه كان بعث ناسًا يقال لهم القراء وهم سبعون رجلا إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا يدعو عليهم. أخرجه البخاري (3870)، ومسلم (677). ومع هذا فقد قال الشيخ الألباني في ( السلسلة الضعيفة (3/387 ). حديث : " ما زال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقنت حتى فارق الدنيا " حديث منكر.