يقول السائل : أعيش في المملكة المتحدة، ونقيم دروس تحفيظ قرآن فسألتني إحدى اللواتي أسلمن قريبًا عن علامات المنافق، وعلامات التوكل والرضا، لتعبد الله على بينه وبإخلاص.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
نشكر الأخت على حرصها، وعلى دعوتها إلى الإسلام، وهكذا ينبغي لنا جميعًا، هو الدعوة إلى الله ، وخاصة في البلاد التي تكون على هذا الوصف، البلاد الغربية، بلاد الغرب وأمريكا وسائر بلاد الكفار، المسلم عليه أمانة عظيمة، حينما يرى هؤلاء الناس على هذا الضلال، وهذا الكفر، فإن هذا لا شك يحزنه ويغيظه، فيدعو إلى الله سبحانه وتعالى، ويجتهد بالدعوة والقول الطيب، والكلمة الحسنة والرفق، ثم كما أوصى عليه الصلاة والسلام أصحابه بذلك، وهو الرفق بمن تدعوه ولا تشدد عليه، لأن من عاش في الكفر عشرات السنين، فإنه لا شك ينتقل مما هو فيه، والله سبحانه وتعالى يعينه، ويسدده وييسر أمره، وما ذكرته أختنا السائلة في هذا الموضوع، وهو عن هذه التي أسلمت، وتسأل عن مسألة كيف تحصل الإخلاص، نقول الحمد لله، كون الإنسان يسأل عن الإخلاص، وأنه يريد طريق الإخلاص الذي هو الخلاص، هذا دليل الإخلاص، وكونه يحس من نفسه أنه مقصر وأنه يريد طريق الإخلاص، الطريق الذي أنعم الله به على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الطريق الذي أمرنا الله تعالى بسلوكه، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}([1])، هذا كله دليلٌ بيَّن إن شاء الله من دلائل الخير والهدى والصلاح، وهو دليلٌ على صدق النية.
ولذا في قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}(2). أي حينما يحصل وجل في قلب المؤمن، يقول هل أنا مخلص؟، هل أنا متوكل، هل أنا؟، هل أنا؟، هذا دليلٌ من أدلة الإخلاص، قالت عائشة رضي الله عنها: «أهم الذين يزنون ويسرقون، قال: لا يا ابنة الصديق، هم الذين يصومون، ويتصدقون، ويصلون، ويخافون ألا يقبل منهم».(3) {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (4).لأنه حينما يرى من نفسه التقصير، ويرى من نفسه النقص، يسارع إلى الخيرات، يسارع في الدنيا، ويسابق في الدنيا حتى يكون من السابقين، لأن السابق في الدنيا إلى الفضائل والخيرات، يكون سابقًا في الآخرة، {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}(5). السابقون في الدنيا، هم السابقون في الآخرة، فهذه إن شاء الله من دلائل الإخلاص.وعلى المسلم والمسلمة ألا يفتح بابًا للشيطان عليه، بل عليه أن يجتهد في عمل الخير، وإن حس من نفسه نقص، فهذا يدعوه إلى الزيادة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لو لم تذنبوا لجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون ثم يتوبون، ويتوب الله عليهم». مسلم من حديث أبي أيوب وغيره،(6). وجاءت في هذا المعنى أخبار عنه عليه الصلاة والسلام،
ولذا قال كثيرٌ من السلف إذا جاءك الشيطان فقال إنك مرائي فزد في العمل، يعني كثير من أهل الإيمان يعرض له أمور أنه مرائي، وأنه لا يقصد بهذا العمل وجه الله، وأن في إخلاصه نظر، هذه ليست دليل شر، هذا دليل خير، والشيطان لا يأتي البيت الخرب، يأتي البيت المعمور، البيت الخرب لا يأتيه السارق، لا يجد فيه شيء، إنما يأتي السارق البيت المصون، البيت الذي فيه الجواهر، فيه المال، هكذا قلب المؤمن معمور بالتقوى والخير. فالشيطان مثله مثل اللص الذي يأتي إلى البيت، لا يقصد البيوت المهجورة، البيوت المهجورة في الغالب تحضرها الشياطين، لكن يأتي إلى البيت كما تقدم الذي يظن أن فيه مال وجواهر، ونحو ذلك، هكذا الشيطان، والمؤمن على خير، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(7).
فأنت حينما تجاهد الهوى والنفس والشيطان، فالمؤمن على خيرٍ عظيم، ويزداد من الخير، ولا يبالي ولا يضعف، حتى في مسائل أعظم، في مسائل العلم، كثيرٌ من السلف يقول طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله.النفس ضعيفة يعرض لها بعض الأمور، وبعض الحظوظ، ولو قيل "خلص نفسك ولا تدخل في هذا العمل"، هذا لا يمكن، لكن عليك أنت تجاهد، عليك أن تجتهد في عمل الخير، تجاهد نفسك، تجاهد هواك، تجاهد شيطانك، جاهد، هذه الدنيا دار الجهاد، دار العمل والمجاهدة، ولهذا قال في الآية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. السبل أي يهدي الله إلى سبل عظيمة، ويرتفع إلى درجة الإحسان الذي هو أعلى درجات الدين، هو أرفعها وأعلاها.فعلى كل مسلمٍ ومسلمة أن يجتهد في أعمال الخير، مع حسن ظنه بربه، وليبشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة: الفاتحة ، الآية (6).
(2) سورة: المؤمنون ، الآية (60).
(3) أخرجه الترمذي (3175) وابن ماجة (4198) وأحمد (24734) .
(4) سورة: المؤمنون ، الآية (61).
(5) سورة: الواقعة ، الآية (10).
(6) أخرجه مسلم (2750).
(7) سورة: العنكبوت ، الآية (69).