ما هو الاتكاء المنهي عنه عند الأكل؟ وهل يدخل فيه التربع والاستناد على جدار، أو الاتكاء على وركه، أو الأكل جالس على كرسي، وهل النهي عن الاتكاء يشمل الشرب، أم هو خاص بالأكل؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
لم يرد النهي عن الاتكاء عند الأكل إلا في حديث ضعيف (1)، حديث ينكره أهل العلم، أما حديث أبي جحيفة:" أما أنا فلا أكل متكئاً "(2) فهذه الصيغة غايتها أن تكون خلاف الأولي، واختلف العلماء في معنى الاتكاء، فالخطابي رحمه الله يري أن الاتكاء هو التربع، ويقول: قال بعض الجهال، أنه الآكل المتكئ على إحدى شقيه، وأنكر هذا، ولم يبال ابن الجوزي بإنكار الخطابي، وقال : الاتكاء هو التربع والميل على أحد الشقين، واستدلوا بحديث أبي بكرة، كان متكئ فجلس كما عند الشيخين(3)، وكذلك حديث ابن سمره عند الترمذي، متكأ على وسادة على يساره(4)، والأظهر ما قاله القيم رحمه الله، قال الاتكاء يشمل هذا الصور كلها، وهو أن التربع اتكاء، والميل على أحد الشقين اتكاء، يعني يمين أو يسار، وذلك أن القاعدة، أن الإثم الذي يأتي في الشرع، وله معاني لا تتضاد، ويمكن اجتماعها، أنه يطلق المعني عليها كلها، مادام أنها لا تتضاد، ولا تتعارض، يقال : من تربع فهو متكأ ، لأنه جالس على وطاء، ومن مال على شقه الأيمن فهو متكأ، ومن مال على شقه الأيسر فهو متكأ، وكذلك الاستناد، ولكن الاستناد ليس كالاتكاء، الاستناد لا يدخل في هذا بل هو مجرد اعتماد على شيء، ومثل هذا لا يسمي اتكاء، إلا إذا كان الميل كثير جداً، حتى لا يستقيم الجسد، هذا المعني الذي قال عليه في النهي، عن الأكل متكأ ، في هذه الجلسة أظهر، حينما يكون كالمستلقي على ظهره، مثلا أو قريب منه، فهذا نوع الاتكاء، لكن إذا كان معتدل الظهر ومستند، فلا يظهر عند يشبه الاتكاء، هذه مسألة كما تقدم أما الشرب، فهو محتجا، ورد عما أما أنا فلا أكل متكئ(5)، قد يقال أن الشرب من باب أولي، لأنه إذا نهي عن الشرب قائماً، لما فيه من الضرر، في انصباب الماء بقوة، وانحداره على الجوف وجدار المعدة، والأكل أيسر كما تقدم، أنه جاء الأكل ماشياً، فالشرب متكأً قد يكون من باب أولي، من جهة من باب انحدار الماء، لا ينحدر مستقيماً، والضرر الذي يحصل قد لا يكون مستقيماً، وقد يكون الضرر أشد من الحاصل، أو المعني الذي نهي عنه في الأكل، موجود في الشرب، من جهة المعني ، لكن جزم بذلك يحتاج إلى دليل، والدليل معروف في الأكل، أما الجلوس على الكرسي، لا يظهر فيه شيء، لا بأس في ذلك، والنبي صلي الله عليه وسلم في حديث أنس ، (ما أكل النبي صلي الله عليه وسلم على خوان قط، ولا في سكرجة، ولا خبز له مرفق ) كما رواه البخاري في حديث أنس(6)، المعني، انه لم يكن عليه الصلاة والسلام، لم يكن يتوسع توسعاً الترفه، والجالس على كرسي مطمئن، الجالس على كرسي كالجالس على الأرض، وإن كان الجلوس على الأرض أولي، و والنبي قال أكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب العبد،(7)، وجلس وجثا على ركبتيه عليه الصلاة والسلام(8)، وهكذا ورد عنه صفات أخرى، في الصحيح وفي صحيح مسلم وغيره،(9) نعم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد حديث :(لا تأكل متكئا ولا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة (الطبرانى فى الأوسط عن أبى الدرداء).
أخرجه الطبرانى فى الأوسط (1/14 ، رقم 33) . و ابن عساكر (45/408) . وابن حبان في " المجروحين " (1/297) .
وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (2/399) (3093) : رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن زريق قال الأزدي : لا يصح حديثه . وأورده في معرفة التذكرة لابن طاهر المقدسي (1/76) فقال: فيه رزيق بن عبد الله الألهاني أنكر ابن حبان عليه هذا الحديث.
(2) حديث أبي جُحَيْفة مرفوعاً بلفظ: إني لا آكل متكئاً ".وفي رواية:لا آكل وأنا متكئ ".أخرجه البخاري (5398 و 5399(.، وأخرجه البخاري في كتاب الأطعمة / باب الأكل متكئا(5083).
أما لفظ : "أما أنا فلا آكل متكئا " فقد أخرجه الترمذي (1830) وقال: حسن صحيح، واخرجه النسائي في الكبرى(6742)، والبيهقي في شعب الإيمان (5971) كلهم من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.
(3) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ مَرَّةً كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ . . . " قَالَ : وَذُكِرَ الْكَبَائِرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ : " وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ " أَوْ " قَوْلُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ " ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَرِّرُهَا ، حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ . أخرجه البخاري (2654) ومسلم (89).
(4) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره ".
أخرجه أبو داود في اللباس برقم (4143) والترمذي في الاستئذان برقم (2771). أحمد (20404)، صحيح ابن حبان (589). قال أبو عيسى: لم يذكر وكيع على يساره، وهكذا روى غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع، ولا نعلم أحدا، روى فيه على يساره إلا ما رواه إسحق بن منصور عن إسرائيل.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة » باب الأكل متكئا(5083).
(6) ما أكل النبي صلي الله عليه وسلم على خوان قط، ولا في سكرجة، ولا خبز له مرفق"
أخرجه البخاري (5386) والترمذي (2363).
(7) جاء من حديث أنس رضي الله عنه قال : ( بينما رسول الله متكئًا على طُعَيم له يأكل إذ جاءه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد ألا إن الاتكاء من النعمة ، قال : فاستوى عليه الصلاة والسلام قاعدًا عندها ، ثم قال إنما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأشرب كما يشرب العبد . قال أنس : فما رأيتُه متكئًا بَعْدُ ). أخرجه ابن شاهين في ناسخه ومنسوخه رقم ( 626 )، وأخرجه أيضًا برقم( 628 ) من حديث عطاء بن يسار:( أن جبريل نظر إلى النبي وهو بأعلى مكة يأكل متكئًا ، فقال : أكْلُ الملوك ! فجلس ) وهذا مرسل. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4568) عن مجاهد مرسلاً ، ليس فيه جملة الشرب ، ولا لفظة العبد. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (7/203) : منكر بذكر الشرب.
(8) هو حديث عبد الله بن بسر قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى رسول الله على ركبتيه يأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة ؟ فقال: (إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا).أخرجه ابن ماجه رقم (3263( قال البوصيري في مصباح الزجاجة برقم (4/ 8(:هذا إسناد صحيح، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 541).
(9)عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :"يا غلام سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك " أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم: " نهى أن يأكل الرجل بشماله "
أخرجه مسلم (2099).