ما حكم الأكل أو الشرب واقفاً، أو ماشياً على قدميه ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
ورد حديث عن أنس لكنه لا يصح، أن جبريل نهي النبي عليه الصلاة والسلام، عن الأكل قائما فلم يأكل، وهذا حديث لا يصح(1)
بل ثبت خلاف ذلك عنه عليه الصلاة والسلام، في حديث عبد الله ابن عمر، وهو حديث جيد رواه الترمذي، بإسناد حسن، أو صحيح، أنه قال: ( كنا نأكل على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ) (2) وأيضاً جاء في حديث عند أبي داود، وفيه ( أنه عليه الصلاة والسلام، مر بصاحب برمة، تطبخ على النار، فقال يا صاحبي، هل نضج طعامك؟ فقال نعم يا رسول الله، فأخذ النبي صلي الله عليه وسلم منها، قطعة لحم فجعل يلوكها، فلم يزل يلوكها عليه الصلاة والسلام حتى دخل في الصلاة ) (3) يعني أخذ هذه القطعة فأخذ فجعل يأكلها، وجعل يمشي حتى وصل إلى المسجد عليه الصلاة والسلام، هذان الحديثان يدلان على أنه لا بأس به، ومنهم من يقول أن الأكل قائم هو فعل أهل الغرب، وأنهم يأكلون قياماً ، ولو فعل الإنسان هذا على سبيل التقليد فلا شك أن هذا لا يجوز، قصداً لذلك، لكن المسلم لا يفعل مثل هذا، والأظهر والله أعلم أن السنة الأكل والإنسان جالس، فإن عرض أحياناً عند الحاجة، مثل ما جاء في ذاك الحديث لأنه قال ماشياً إلى المسجد، فلا يقال لمن أراد أن يمشي في حاجته، عليك أن تقف حتى تنهي هذا الطعام، ولو كان مستعجلاً إلى شيء ، فلا بأس منه وإن كان ماشياً، بخلاف الشرب ، الشرب ورد فيه نهي، من حديث أبي سعيد (4) ومن حديث أنس، عند مسلم، أنه زجر أن يشرب قائماً(5)، وفي لفظ نهي أن يشرب قائماً ، وكذلك عن أنس بهذين اللفظين، كما روي أبي سعيد رضي الله عنه، وفي حديث أبي هريرة،(6) (لا يشربن أحداً منكم قائماً ) هذا عند مسلم أيضاً.
وثبت في الصحيحين، من حديث ابن عباس رضي الله عنه، أنه سقي النبي صلي الله عليه وسلم من زمزم وهو قائم (7)، وفي صحيح البخاري من حديث على أنه شرب وهو قائم، وقال : رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم صنع كما صنعت(8)، فأخذ أهل العلم من هذا أنه خلاف أولي، عند عدم الحاجة ، وأما عند الحاجة فلا بأس مثلما يكون المكان ضيق ولا يستطيع الجلوس، أو متسخ، لو جلس لأصابه شيء من الأذى، في هذه الحالة لا كراهة ، لأن عند الحاجة تنتفي الكراهة، ومضار الشرب قائماً ، هو منهي عنه، سواء كان ضار أو ليس بضار، وهو على خلاف أولي أو مكروه على حد القولين، وذكر بعض أهل الاختصاص أن الشرب قائم ينصب الماء انصباب قوي على جدار المعدة، وربما يسبب بعض الضرر، وبعض الأمراض، والشريعة جاءت بكل خير، لكن الشرع لا ينهي في هذا الباب إلا وفيه مصالح شرعية، فهو جاء في صلاح البدن وصلاح الروح، أما الأكل فيختلف، الأكل في الحقيقة ليس كالشرب، الأكل يلوك الإنسان بأسنانه، لو كان حتى ينزل نزول لا يكون كنزول الماء، ولا كانصباب الماء، فنزوله يختلف وليس انحداره كانحدار الماء، فلعل هذا والله أعلم هو السر في الفرق بينهما، مع أن الأولي هو أن يكون جالساً ، مع أن جاء في حديث عند مسلم عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن يشرب قائما(9)، فقلنا لأنس فالأكل قال: هذا شرٌ وأخبث، وهذا لعله لم يطلع على ما جاء في حديث عبد الله ابن عمر المتقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوارد هو نهي جبريل النبي صلوات الله عليه عن الأكل متكئاً وليس قائما، فقد جاء من حديث أنس رضي الله عنه قال :
( بينما رسول الله متكئًا على طُعَيم له يأكل إذ جاءه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد ألا إن الاتكاء من النعمة ، قال : فاستوى عليه الصلاة والسلام قاعدًا عندها ، ثم قال إنما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأشرب كما يشرب العبد . قال أنس : فما رأيتُه متكئًا بَعْدُ ). أخرجه ابن شاهين في ناسخه ومنسوخه رقم ( 626 )، وأخرجه أيضًا برقم( 628 ) من حديث عطاء بن يسار:( أن جبريل نظر إلى النبي وهو بأعلى مكة يأكل متكئًا ، فقال : أكْلُ الملوك ! فجلس ) وهذا مرسل. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4568) عن مجاهد مرسلاً ، ليس فيه جملة الشرب ، ولا لفظة العبد. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (7/203) : منكر بذكر الشرب. وجاء عن أنس نهي النبي صلوات الله عليه النهي عن الأكل قائما ولايصح كذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الشرب قائماً و عن الأكل قائماً و عن المجثمة و الجلالة و الشرب من فيّ السقاء ".أخرجه أبو يعلى في مسنده (5/ 422)رقم ( 3111)، قال: حدّثنا زهير، حدّثنا شبابة بن سوّار، حدّثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَطَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- عن الشرب قائمًا والأكل قائمًا". وأخرجه البزّار في مسنده (كشف الأستار) (3/ 330)، كتاب الأطعمة، باب النهي عن الأكل قائمًا (رقم 2868)، قال: حدّثنا محمَّد بن عبد الرحيم، ثنا شبابة به مثله وزاد "وعن المجثمة، والجلالة، والشرب من في السقاء". قال الهيثمي: "النهي عن الشرب قائمًا في الصحيح ولم أره بتمامه". وقال البزّار: "المغيرة بن مسلم صالح، وهذا الحديث بعضه يروى عن قتادة، عن أنس، وبعضه يروى، عن عكرمة، عن ابن عباس".هكذا رواه مطر بن طهمان، عن قتادة، فجعل فيه النهي عن الشرب، والنهي عن الأكل كما أخرجه أبو يعلى، وزاد غير ذلك كما في رواية البزّار، وهذا، والله أعلم من أخطائه، فإنه في رواية البزّار دخل عليه حديث في حديث كما ذكر البزّار، وقد خالفه الحفّاظ من أصحاب قتادة كهمام، وهشام، وسعيد بن أبي عروبة وشعبة، ويزيد بن إبراهيم، فرووه وليس فيه إلَّا النهي عن الشرب قائمًا فقط، وربما زاد بعضهم كلامًا مدرجًا من سؤال قتادة لأنس بن مالك.
(2) أخرجه الترمذي (1881) صححه الألباني في صحيح الترمذي، وبعد البحث وجدت أن هذا الحديث معلول؛ أخرجه الترمذي من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر . وظاهر هذا الإسناد الصحة وقد صححه أبو عيسى الترمذي وابن حبان وآخرون .وفي ذلك نظر ولا يصح الاعتماد على ظاهر الإسناد، وقد قال أبو عيسى الترمذي في كتابه العلل سألت محمداً عن هذا فقال هذا حديث فيه نظر .وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله . لم يحدث بهذا الحديث أحد إلا حفص وما أراه إلا وهم فيه، وأراه سمع حديث عمران بن حُدير فغلط بهذا .
(3) لم أقف عليه ولكن معناه في حديث عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت: "دخل علي رسول الله ? ومعه علي, وعلي ناقه من مرض, ولنا دوال معلقة, فقام رسول الله ? يأكل منها، وقام علي يأكل منها, فطفق النبي ? يقول لعلي: مه! إنك ناقه، حتى كف. قالت: وصنعت شعيراً وسلقاً, فجئت به. قالت: قال النبي ? لعلي: من هذا أصبْ! فهو أنفع لك". أخرجه أبو داود (3856) والترمذي (2037)، وابن ماجة (3442)، وأحمد في المسند (6/363) (27096). وهذا لفظه الحديث، عند أحمد، قال الترمذي: حسن غريب. وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء(3/439): إسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3264). وفي صحيح وضعيف الترمذي(5/37). ناقة: نقه المريض ينقه فهو ناقة، إذا برأ وأفاق، وكان قريب العهد بالمرض يرجع إليه كمال صحته وقوته (النهاية). ودوال: الدوالي جمع دالية، وهي العذق من البسر يعلق، فإذا أرطب أكل (النهاية).
(4) أخرجه مسلم (2025).
(5) أخرجه مسلم (2024).
(6) أخرجه مسلم (2026).
(7) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ.
أخرجه البخاري (1637) ومسلم (2027).
(8) أخرجه البخاري (5615).
(9) عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن يشرب قائما، قال قتادة فقلنا فالأكل؟ فقال ذاك أشر وأخبث. أخرجه مسلم (2026).