سائلة تقول: إنها كانت تقع في كبيرةً من كبائر الذنوب مرات عديدة، وقد تابت منها وهي تصلي وتستغفر، ولكنها تكرر هذه الكبيرة، وتتمناها، فما نصيحتكم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
من وقع في كبيرةً من كبائر الذنوب فقد ارتكب جرماً كبيراً في حق نفسه، وعرض نفسه لعذاب الله وغضبه في الدنيا والآخرة، ومن الكبائر ما يوجب إقامة الحد على صاحبها كالزنا والسرقة والقتل وشرب الخمر، فمن ارتكب كبيرة فيها الحد ولم يقم الحد على صاحبها فهو في مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، فمن وقع في معصية، فعليه التوبة، مع العزم على عدم الوقوع فيها مرة أخرى، فإذا تاب العبد، تاب الله عليه، ثم بعد ذلك لو غلبته نفسه، ثم وقع في المعصية، فعلي من وقع فيها أن يرجع، كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة (1) وفيه أن العبد يقع في الذنب وذكر فيه أنه عاد، ثم علم أن له ربا يأخذ بالذنب ويغفر لمن تاب، فالمسلم إذا كان على ذلك فإنه على خير، فالمعني أن تكون التوبة هي ديدن المؤمن، والتوبة تعني للقلب انكسار والإقبال عليه سبحانه وتعالي، لكن من وقع في نفسه شيئاً من هذه الأحاديث فإن كان مجرد حديث نفس فهذا لا يضر، ومجرد التمني إذا كان مجرد خاطر، أو هاجس، أو حديث نفس، فهذا لا يؤاخذ به، حتى يكون هماً ، لأن ما يقال أنه حديث نفس أقسام، ولهذا قال بعضهم: مراتب القصد خمساً هاجساً ذكروا، يعني ذكروا هذا الخاطر، ذكروا الهاجس، فخاطراً فحديث النفس إذا استمع إليه، يليه هماً، وعزم وكلها رفعت ، سوي الأخير به الأخذ قد وقعا، وهو العزم، فعندنا المراتب، الهاجس، وهو مجرد وقوع الشيء في النفس، هذا بإجماع أهل السلف، والخاطر هو جريانه مع هذا الهاجس واستمراره، والهم وهو القصد إليه، فهذا يؤاخذ به، على قوله من هم بحسنة(2)، في هم الحسنة هذا ، يكتب له حسنة،في باب الحسنة يكتب له الحسنة كاملة، أما باب السيئة، فالهم معفوا عنه من رحمة الله، ، الهم فيه تفصيل، فهي خمسة أقسام ،ثلاثة في باب الحسنات ، والسيئات لا يكتب شيء منها، والرابع هو الهم في باب الحسنات يكتب، ولهذا قال في حديث ابن عباس رضي الله عنه ( إذا هم العبد بحسنة فلم يعلمها كتبها الله عنده كاملة )، (3) والهم ، هو الهم مع الترجيح مع القصد المؤكد، وهذا يكون فيه إقبال من القلب على الشيء، وفي الغالب يكون فيه سعي، أما الرابع فإنه في باب الحسنات كما تقدم، يكتب له حسنة كاملة، كما في الحديث حسنة كاملة، أما السيئة فإنه لا يكتب عليه، لمجرد الهم، حتى يعملها فإذا عملها، كتبت سيئة، كاملة، الخامس العزم، والعزم هذا لا شك أنه يكتب في باب السيئة، ومن باب الحسنة لا إشكال، لأنه تكتب بها ولو لم يعملوا ، لأن العزم يكون معه عمل، وذلك انه إرادة جازمة، وهذه الإرادة الجازمة لا يمكن أن تخلو من العمل، مع عدم العمل المقاوم، فهي قصداً لهذا الفعل، وعزماً عليه، وفي الغالب يكون معها عمل، في المشي أو الحركة، ولهذا جاء في حديث في الصحيحين إنه كان حريصاً على القتل (4)، فلا بد أن يكون معه عمل، فهي إرادة جازمة لم يعارضها شيء، لكن لو لم يعمل قد يكون عدم عمله ليس لضعف قصده لكن لأنه عجز، أو لم يمكنه ذلك، ولو كان حريصا،ولكن لم يمكنه ذلك، عاجلة صاحبه مثلا. فمن عزم على فعل سيئة كالزنا، أو شرب الخمر، لابد وأن يقترن بعمل، وكان قصده لهذا المكان الذي يشرب فيه الخمر، شراء خمر، أو صناعة الخمر، أو السرقة، القصد إلى مكان يسرق منه، الزنا، فإنه في الغالب يقصد إلى مكان الزنا وقد لا يقع منه الزنا لسبب عارض كأن يكتشف أمره ويمنع من ذلك، في مثل هذا يكتب عليه كما تقدم، أما إذا كان مجرد تمني يقع في النفس، حديث نفس، أو نحو ذلك، لكنه يعلم من نفسه أنه لا يقع فيه، هذا لا يؤاخذ بذلك، وإن وقع في نفس هذا الشيء، فرجع بنفسه وندم وتاب، فإنه يؤجر، على هذه النية، أنه ندم، وهو توبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " إِنَّ رَجُلا أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي ، قَالَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، قَالَ : ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي ، قَالَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، قَالَ : ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي ، قَالَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ "
أخرجه البخاري (7507) ومسلم (2760).
(2) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً." أخرجه البخاري رقم (6491). ومسلم (134).
(3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ ، فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَمِلَهَا ، فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً ، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا ، فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا ، فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا" أخرجه البخاري رقم (7501). ومسلم (130)
(4) عَنْ نفيع بن الحارث رضي الله عنه قَالَ: إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ:يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ،فَمَا بَالُ المَقتُول؟" أي لماذا يكون في النار- قَالَ: "لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ" أخرجه البخاري رقم (6875). ومسلم (157).