مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

هل يجوز مد الرجلين إلى الأمام والاتكاء على اليدين في المسجد سواءً في خطبة الجمعة أو غيرها؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
 الأصل في الأفعال المباحة الجواز ، والنبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه استلقى في المسجد ووضع إحدى رجليه على الأخرى" (1) فنفس الاستلقاء ومد الرجلين لا بأس، وكذلك مدهما إلى جهة القبلة، فليس هناك نهي في مد الرجلين إلى جهة القبلة، ولا ينافي هذا احترام هذه القبلة ولا يقع في النفس شيء من هذا، ولأن هذه الأبواب أبواب توقيفية، إنما الذي نُهي عنه أن يتجه الإنسان إلى القبلة في حال قضاء حاجته(2)،ففي حال قضاء الحاجة لا يستقبلها ولا يستدبرها، وبعض أهل العلم قال: لا يستقبلها عند الاستنجاء، وهذا فيه نظر، والأظهر والله أعلم أنه عند قضاء الحاجة فقط، أما النهي عن استقبال القبلة بالفروج فهذا لا يثبت(3)، وإن ثبت فالمراد به استقبال القبلة بالفروج عند قضاء الحاجة، لأن هذا هو الواقع، فالإنسان لا يمكن يكشف عورته إلا لأجل قضاء الحاجة في الغالب، ويعني النهي الوارد في هذا في اتجاه القبلة مع قضاء الحاجة، وإذا فرغ من ذلك فبعد ذلك لا بأس لو استقبل بفرجه القبلة في غير حال قضاء الحاجة كما تقدم، فالمقصود أنه ليس هناك نهي عن استقبال القبلة بالقدمين، أما في حال استماع الخطبة فهذا أدب آخر، لا يتعلق بمد الرجلين، وهو أن الإنسان إذا كان يستمع الخطبة فالسنة أن يكون حال حضوره نشيطًا ومقبلًا على الإمام، حتى نهى بعض العلماء عن الحبوة والإمام يخطب، والحديث رواه أبو داود (4) وإن كان فيه ضعف، وجاء حديث آخر عند أبي داود أنه قال: يعلى بن شداد بن أوس:«شهِدتُ مع معاويةَ بيتَ المقدسِ فجمعَ بنا فنظرتُ فإذا جُلُّ مَنْ في المسجدِ أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فرأيتُهم محتبينَ والإمامُ يخطُبُ»(5). ولهذا الإنسان يكون حال حضور، حال إقبال، وحال نشاط؛ وهذه القاعدة في أبواب حينما يدعو الإنسان ويسأل ربه فيكون في حال إقبال وذل وتذلل، ومن ذلك حال الخطبة، لكن لو أن الإنسان وجد كسل أو ضعف أو حينما يضم رجليه يحصل له مشقة وخاصة إذا كان الإنسان كبير السن فلا بأس من ذلك ولا يضر؛ ولهذا ليس في الصلاة مد للقدمين، بل للصلاة قيام وركوع وسجود وجلوس فتكون قدماه بعد ذلك إلى غير جهة القبلة، وحينما يجلس في صلاته، الجلسة بين السجدتين، أو الجلسة حال التشهد إنما إذا كان عند الحاجة فلا كراهة في هذا، ومع عدم الحاجة فالأولى للإنسان أن يضم نفسه وأن يجمع نفسه، وذلك أن هذا الأدب وهو مد القدمين مما لا يستسيغه الناس عند أصحابهم وجلسائهم، فيتأدب الإنسان في الغالب عند من يجله ويحترمه، فلا يرى أن مد قدميه أنه من الأدب؛ ولهذا على الإنسان أن يراعي هذا الأدب في حال حضوره الخطبة من باب أولى، وذكر ابن مفلح رحمه الله شيئًا من هذا حتى قال بعضهم: الاستناد إلى القبلة، لكن الصحيح أنه لا بأس أن يجعل ظهره إلى القبلة وثبت في الحديث الصحيح أن إبراهيم عليه السلام قد أسند ظهره إلى البيت المعمور،(6) فهذا لا بأس به إنما الذي يشتد هو ما كان أبلغ من هذا مثل مد القدمين إلى المصحف وهذا مما وقع فيه خلاف، والأظهر- والله أعلم- إن كان المصحف إلى جهة قدميه فالمنع والقول بالتحريم قول قوي وقاله جمع من أهل العلم، وإن كان المصحف على مكان مرتفع، على لوح مرتفع وهو أعلى من القدمين فهذا لا بأس به، وذلك من إكرام القرآن ومن احترام القرآن، وقد روى البخاري في الأدب المفرد عن كثير بن مرة الحضرمي وهو تابعي كبير رضي الله عنه ورحمه،قال: (دخلت المسجد يوم الجمعة فوجدت عوف بن مالك الأشجعي جالسًا في حلقة مد رجليه بين يديه فلما رآني قبض رجليه ثم قال لي تدري لأي شيء مددت رجلي ليجيء رجل صالح فيجلس) (7)وهذه رواية جيدة عند البخاري في الأدب المفرد، وفيه أنه مد قدميه رضي الله عنه في المسجد لأجل أن يجلس في هذا المكان رجل صالح فوافق بقدوم كثير بن مرة؛ وهذا من موضع الحاجة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ" أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى". أخرجه البخاري رقم (6287), ومسلم رقم (3928). (2) عن أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد رضي الله عنه" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا". أخرجه البخاري رقم (394), و مسلم رقم (266). (3) أخرج مالك "الموطأ" (519). و"أحمد" (23911) و"النسائي" (1/21)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم: ( 1602)، والطحاوي في شرح معاني الآثار(4/232)، والطبراني في المعجم الكبير (3934 )، كلهم من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن رافع بن إسحاق ، مولى لآل الشفاء ، وكان يقال له : مولى أبي طلحة ، أنه سمع أبا أيوب الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بمصر ، يقول : والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول ، فلا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها بفرجه". (4) عن معاذ بن أنس رضي الله عنه : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الحبْوَة يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ).أخرجه أبوداود (1110)؛ والترمذي (514) والإمام أحمد (24/393) صحيح ابن خزيمة. (1710) كلهم من طريق سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِيهِ... به ، وهذا اسناد ضعيف فيه سهل بن معاذ، وقد ضعَّفه يحيى بن مَعِين، وقال يحيى بن معين يقول: سهل بن معاذ بن أنس عن ابيه ضعيف. وتكلم فيه غير واحد، وفي إسناده أيضًا أبو مرحوم عبدالرحيم بن ميمون مولى بني ليث، ضعَّفه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. والحديث قد حسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود"، وهو أيضًا في "صحيح الجامع" (3876). (5) قال أبوداود في السنن: حدثنا داود بن رُشيد، نا خالد بن حيان الرقي، نا سليمان بن عبد الله بن الزَّبْرِقان، عن يعلى بن شداد بن أوس ..به  أخرجه أبو داود رقم (1111)؛ وإسناده ضعيف فيه سليمان بن عبد الله بن الزَّبْرِقان وفي حفظه مقال . (6) أخرجه البخاري رقم (6499), و مسلم رقم (2987), (7) أخرجه البخاري في الأدب المفرد:(1/392) رقم ( 1147 ).


التعليقات