يقول السائل: ما حكم القائل "أنا" وأعوذ بالله من كلمة أنا إذا تكلم عنها؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
قول الإنسان "أنا" في الأصل لا بأس بها، وهي ثبتت في أخبار كثيرة عنه عليه الصلاة والسلام، وعن أصحابه ولم ينكرها إلا في بعض الأحوال.
فثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أنا سيدُ ولَدِ ولا فخر"(1) .
وعلى هذا يمكن يقال أن الإنسان حينما يقول شيئا أنه فعله وعمله من الأمور التي يحمد عليها فلا بأس أن يُقرن بها، أنه لا يفخر بذلك مثلا لا يقرنها ولا يقولها فخرا، ولا يقولها أنه حينما يفعل شيئا أنه يمتن بها، إنما يقولها من باب ذكر نعمة الله سبحانه وتعالى عليه، فلا بأس في ذلك.
أما قول "أعوذ بالله من كلمة أنا" فهذه ليس هناك دليل على استحبابها ولم تُنقل عن أحد السلف، بل الظاهر الإطلاق، والإنسان يشرع له أن يقول "أنا" أحيانا، مثلا يقول:
أنا العبد الذي كسب الذنوبا.. وصدته الأماني أن يتوبا
أنا العبد المسيء .. أنا العبد الذي ظلمت نفسي، وأنا الذي أسرفت وما أشبه ذلك، هذا في بعض الأحوال يشرع للإنسان أن يعود بها على نفسه لذنبها وتقصيرها وذمها، وأنا وحدي وليس بسبب غيري، بل أنا المقصر وأنا المذنب، يذم نفسه، يخبر عن نفسه إخبار على جهة الاعتراف والتقصير، وأنت الله سبحانه وتعالى الذي سترتني ، وأنت الذي أنعمت علي وأكرمتني ووسعت علي وسترتني ونحو ذلك، فهو يخبر عن نفسه على هذا الوجه.
ويخبر عن الله عز وجل من باب الثناء عليه سبحانه وتعالى، هذه عبادة عظيمة.
ولا بأس أيضا أن يقول الإنسان أحيانا حينما يسئل عن شيء من فعل هذا؟ فيقول "أنا"، حتى ولو كان في أبواب الخير هذا يقع، ولم ينقل في خبر واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على من قال "أنا"، إنما جاء في حديث جابر في الصحيحين حينما طرق الباب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال: أنا، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا أنا".(2)
يعني في هذه الحالة حينما يقول الإنسان "أنا" ويبهم عند السؤال، فليس بصواب، إنما حينما يسئل من أنت؟ من عند الباب؟ قال: أنا فلان بن فلان هذا هو المطلوب؛ لأن المقصود هو التعريف.
فإذا طلب التعريف فيقول أنا فلان وأشبه بكذا ويعرف بنفسه.
وثبت في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال للصحابة: " من أصبح منكم اليوم صائمًا ؟ قال أبو بكرٍ: أنا . قال فمن تبع منكم اليومَ جنازةً ؟ قال أبو بكرٍ: أنا . قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا ؟ قال أبو بكرٍ: أنا . قال: فمن عاد منكم اليومَ مريضًا ؟ قال أبو بكرٍ: أنا . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما اجتمَعْنَ في امرئٍ إلا دخل الجنَّةَ"(3)
فأثنى عليه الصلاة والسلام عليه بهذا، هذه لا بأس بها، إنما الذي يقولها على جهة الافتخار فهذا هو المنهي عنه، بل لو لم يقل "أنا" بل يخبر بلسان حاله يخبر بلسان مقاله، فليس المقصود كلمة أنا، إنما المقصود هو الافتخار بالشيء، والمطلوب من العبد هو التواضع واللين وذله لإخوانه وخاصة مما يكون هذا العمل مما يطلب به وجه الله سبحانه وتعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه من دون قوله " ولا فخر ": مسلم في صحيحه (2278) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع".
وجاء بلفظ: "أنا سيد الناس"، دون قوله: «ولا فخر»، أخرجه البخاري (4712) ومسلم (194) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة».. وساق حديث الشفاعة الطويل.
أما بلفظ :"أنا سيد ولد آدم ولا فخر»،فهو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند (3/2) وابن ماجه (4308).
وأخرجه أحمد بذاك اللفظ كذلك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (1/281، 295).
(2) أخرجه البخاري (5896) وهذا لفظه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول:(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب فقال من ذا فقلت أنا فقال أنا أنا كأنه كرهها ) وأخرجه مسلم برقم (2155).
(3) (أخرجه مسلم في كِتَاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، حديث رقم (4401).