هل يجوز الكذب لإصلاح ذات البين أو لحقن الدماء وهل يصح قول كذبة بيضاء؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الكذب يجوز لإصلاح ذات البين وهذا ثبت في الحديث في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال ( ليس الكذاب الذي يقول خيرًا أو ينوي خيرًا) في حديث سهل بن سعد الساعدي(1) وكذلك في حديث أم كلثوم أيضًا(2)، وعند مسلم (لم أره يرخص بشيء من الكذب إلا في حديث الرجل لامرأته والمرأة لزوجها) (3) وكذلك الإصلاح بين الناس والكذب في الحرب، فالكذب لإصلاح ذات البين هذا مما دلت عليه السنة لما فيه من حقن الدماء ولما فين من تقارب القلوب والمصالح العظيمة المترتبة على ذلك وهنالك أنواع من الكذب في بعض المسائل اختلف العلماء هل يجوز أو لا يجوز لكن في هذه المسائل جاء الحديث نصًا فيها.أما قوله كذبة بيضاء الكذب ليس فيه أبيض وأسود وله ألوان، الكذب لا يجوز في الأصل الكذب كله لا يجوز وهذا في الحقيقة من تسمية الشيء بغير حقيقته، وهذا يعني من باب تدريج الباطل ومثل ما يقع من كثير من الناس تسمية الأشياء بغير مسمياتها والعبرة بالحقيقة كما يسمون الخمر بأسماء أخرى مشروبات روحية ونحو ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي مالك الأشعري عند أبي داود وابن ماجه أنه عليه الصلاة والسلام قال ( ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) (4) فهذه أشياء واقعة التلبيس والتزوير بالمسميات التي ظاهرها حق وهي باطل فيسمون الباطل بكلمات يعني تدرجه كما أنهم يشنعون الحق بعبارات حتى تكرهه النفوس كما يقع من أهل البدعة في وصف أهل السنة حينما يصفونهم بألفاظ حتى تستوحش القلوب والنفوس وكذلك أيضًا يعمدون إلى تسمية الأمور المحرمة والتي فيها فساد وشر بتسميات باطلة كما يعني يدعون إلى الشر والفساد والسفور والاختلاط ونحو ذلك من الأمور المحرمة وسائر ما يروج له المفسدون ويتبعهم أناس عن سوء نية أو عن جهل فيسمون هذه الأشياء الباطلة بأسماء تروق للنفوس كالحرية والتمدن ونحو ذلك كل هذا واقع والواجب الحذر والتحذير من هذه الأشياء ومن هذا الجنس قوله كذبة بيضاء ونحو ذلك فالكذب كله محرم ولا يجوز إلا ما استثني كما أن الشارع استثنى أشياء مما حرمها في باب الربا والحرير والذهب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» أخرجه البخاري (2693) ومسلم (421).
(2) عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا» أخرجه البخاري (2692) ومسلم (2605).
(3) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ بعد حديث أم كلثوم السابق: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا أخرجه البخاري (2692) ومسلم (2605).
(4) أخرجه أبو داود (3688( وابن ماجه (4020) : (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا... ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .