شخص يعمل خالصًا لله لكن عندما يمتدحه الناس يصبح عنده شيء من الاعتزاز بالنفس فهل فقد هذا العمل قيمته، وهل المدح يؤثر على الإخلاص في العمل؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
من عمل خالصًا لله سبحانه وتعالى لا يضره بعد ذلك ما حصل من المدح لكن إياه أن يغتر، إنما المعول عليه هو نيته فمن كان عمله خالصًا لله سبحانه وتعالى هذا لا يضر، بل نص العلماء على أنه لو عمل عملاً خالصًا ثم طرأ الرياء طروئًا عارضًا فدفعه فإنه لا يضره من باب أولى إذا تم العمل ولم يكن فيه رياء ثم امتدحه الناس على ذلك فهذا كما قال عليه الصلاة والسلام (تلك عاجل بشرى المؤمن)(1) كما في حديث أبي ذر عند مسلم ( سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير فيطلع عليه ويعجبه قال: تلك عاجل بشرى المؤمن) وهذه البشرى التي تعجلت له في الدنيا كما قال بعض أهل العلم هي دليلٌ على البشرى في الآخرة، البشرى في الآخرة لأن هذا نوعٌ من القبول الذي كتب له وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام ذكر أن الله إذا أحب عبدًا الحديث (نادى جبريل فقال إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل ويحبه أهل السماء ثم يكتب له القبول في الأرض) (2) والحديث في الصحيحين وهذه الرواية عند مسلم وفيه زيادة عند مسلم معناه أنه يكتب له القبول وهذا من جنسه أيضًا حينما يعمل العمل الخالص لله سبحانه وتعالى، يعني حينما يعمل العمل الخالص لله سبحانه وتعالى ثم يعلمه الناس أو يطلع عليه فيمدحه الناس على ذلك فهذا من الخير ومن عاجل البشرى وإن وقع في نفسه سرورٌ في ذلك والمعنى أنه الحمد لله لم يكن على عمل سوء بل كان على عمل خير والدافع له هو النية الصادقة الصالحة وهذا هو شرط يعني سلامة العمل، العمل من الرياء. وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن هذا فقال: (أجر السر وأجر العلانية) (3) له أجر السر وأجر العلانية أجر السر يعني أنه عمل خالصًا لله سبحانه وتعالى وأجر العلانية حينما ظهر هذا العمل، ويروى عن بعض السلف رضي الله عنهم وهو عبد الله بن غالب الحداني وهو عابد رحمه الله من العلماء العباد كان إذا أصبح يقول: قد عملت البارحة كذا وكذا يذكر شيء مما حصل له من العمل من قيام الليل وقراءة القرآن فقيل له في ذلك فقال { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }(4) وهذا في الحقيقة من الفقه الغريب لكنه اجتهاد من بعض أهل العلم وأنا ذكرته لأنه مناسبة لهذا السؤال وإن كان هذا فيه نظر والتحديث بكون الإنسان يحدث بعمله، الأصل عند أهل العلم أن الإنسان لا يحدث بعمله إلا حينما يكون هناك مصلحة راجحة يحدث بها يحدث بعمله لأجل أن يقتدى به أو أنه يظهر عمله لأجل أن يقتدى به أما أن يحدث بعمله فالأصل هو الإسرار وهذا هو المعروف من سيرة السلف رضي الله عنهم المبالغة في إسرار العمل وعدم إبداء العمل بل كان بعضهم ربما إذا دخل عليه أحد وهو يقرأ القرآن يغطي القرآن أو ما أشبه ذلك مع أن كثير من السلف لا يرى مثل هذا أو يرى أنه لا يحسن ترك العمل للناس لكن بعضهم يحتاط بعض أهل السلف من شدة خوفه يحتاط ويخشى على نفسه من الوقوع في شيء من أبواب الرياء وهذه مسائل اجتهادية فلذا حينما يتحدث بالعمل فهذا كما قال عليه الصلاة والسلام (تلك عاجل بشرى المؤمن).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» . أخرجه مسلم رقم (2642).
(2) أخرجه البخاري رقم (3209). و مسلم رقم (2637). وفيه زيادة: وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ "،
(3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَيُعْجِبُنِي؟ قَالَ: "لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ"هو في "مسند أبي داود الطيالسي" (2435)، ومن طريقه أخرجه الترمذي (2542)، وابن ماجة(4226) وقال: حديث غريب،.وهو في "صحيح ابن حبان" (375).
(4) (الضحى:11)