هذا السائل يقول نخرج مع بعض الشباب، في رحلات برية، ويكون بعضنا عنده مهارة تقليد الأصوات، مثل أصوات بعض المؤذنين أو الأئمة، فهل يجوز هذا الأمر؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
تقليد الأصوات، إن كان فيه تكلف، فهذا مكروه ومنهي عنه، وإن كان الذي تقلده لا يرضى ذلك يشتد النهي، وإن كان يحصل سمحًا وطوعًا، بلا تكلف وبلا تمطيط ولا مد، يخرج الحروف عن واقعها في التلفظ بها، فإذا كان القصد بذلك، هو تحسين الصوت، فلا يظهر أن فيه شيئًا، وتحسين الصوت مطلوب، والنبي عليه الصلاة والسلام، أمر بهذا في عدة أوقات، (ليس منا من لم يتغنى بالقرآن) رواه البخاري(1)، وكذلك حديث البراء ابن عازب عند النسائي وغيره، (زينوا القرآن بأصواتكم) (2)، وفي لفظ جيد (فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا)، (3).
وهذا في الصوت الحسن، في الصوت الحسن، والصوت الحسن أطلقه النبي عليه الصلاة والسلام، في كل صوت حسن، فإذا كان يكون صوته حسنًا، ويسمح صوته، ويسمح صوته بهذا بدون تكلف، بمعنى أنه يأتي عليه بدون تمطيط، ولا مده، فلا يظهر فيه شيء، وكذلك الحديث الآخر،( ما أذن الله لنبي كأذنه لنبي يعني كاستماعه لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر، حسن الصوت يجهر، يجهر بالقرآن )،(4) يجهر يعني أن الله يستمع إلى أحد الصوت الحسن، وفي حديث فضالة وهذا رواه البخاري، في حديث فضالة عند الإمام بسند جيد، قال ابن عبيد، وأنه عليه الصلاة والسلام، قال: (الله أشد أذنًا لصاحب القرآن من صاحب القينة بقينته)، (5) وفيه إشارة إلى تحسين الصوت.
ومعلوم أن يعني من يكون عنده جارية تغني له، فإنها تبالغ في تحسين الصوت، وتجتهد في أن يكون الصوت، على وقعًا يكون حسنًا، فمدح صاحبه يدل على أنه لا بأس به ما لم يكن فيه تكلف أو تمطيط، أو إخراج الحرف عن حاله، فهذا هو الذي يدخل في النهي في الكراهة، وربما يؤل إلى التحريم، ومهما أمكن أن يقرأ الإنسان القرآن، وسائر ما يتلفظ به من الذكر على صوته المعتاد، هذا هو الأولى، ولهذا قال عمر ابن عبد العزيز للمؤذن، "أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا"، رواه البخاري معلقًا مجزومًا به، أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا، يعني الإنسان لا يكون فيه تكلف، وما يسمح به الإنسان يكون على غير تكلف، ولا على غير قصد، لتقليد وفي الغالب أنه يحصل فيه شيء من الإفراط أو التفريط، الإفراط في التقليد، فمهما أمكن اجتنابه كان حسنًا، ثم أيضًا هو اسمه التقليد، والتقليد في الأصل مذموم في الشرع، الأصل التقليد مذموم في الشرع، لكن إذا خلا مما تقدم فلا يظهر أن فيه شيئًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (7527).
(2) أخرجه أحمد (4/ 283- 296) وأبو داود (1468) والنسائي في الصغرى (1015) وابن ماجة في السنن (1342)، وابن حبان في صحيحه حديث (749), وعلقه البخاري (15/ 497)، بصيغة الجزم في كتاب التوحيد: باب الماهر بالقرآن مع الكرام البررة.
(3) الدارمي في السنن (3501)، والحاكم في المستدرك (1/575) من حديث البراء كذلك، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني (2/ 270).
(4) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم (6989) واللفظ له، ومسلم برقم (1319).
(5) هذا الحديث جاء من طريقين؛
الأول: منقطع أخرجه أحمد(6/19) والحاكم (1/571) من طريق إسماعيل بن عبيد الله عن فضالة به، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتعقّبه الذهبي فقال: بل هو مُنقطِع أهـ. يعني إسماعيل لم يسمع من فضالة هذا الحديث.
الثاني: متصل أخرجه ابن ماجه (1340)، من طريق إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة به، وعلته ميسرة قال الحفظ في التقريب: مقبول، والذي يظهر أنه بمجموع الطريقين يتحسن الحديث لغيره، وأحسب أن هذا سبب تحسين الحافظ ابن حجر لهذا الحديث في نتائج الأفكار (3/214)، والله أعلم.
(6) قال الإمام البخاري رحمه الله في باب رفع الصوت بالنداء من (صحيحه): وقال عمر بن عبد العزيز أذن أذانا سمحنا وإلا فاعتزلنا ". وهذا معلق بصيغة الجزم، لكن وصله ابن أبي شيبة في المصنف (ج1/207):فقال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي :أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز :"أذن أذانا سمحا وإلا فاعتزلنا"و .سنده صحيح وكيع وسفيان الثوري إمامان , وعمر هذا ثقة .
انظر فتح الباري لأبن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى (ج3/429).