مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - رمضان 1436
السؤال :

يقول السائل : هل يجوز للزوجة إذا غاب عنها زوجها مدة طويلة أن تطلب الفسخ لهذا الزواج؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; هذه في الحقيقة ربما تُذَّكر بمسألة يعني تقع لكثيرٍ من أخواتنا في بلاد الشام أو في بلاد العراق أو غيرها من بلاد المسلمين التي يحصل بها المصائب والبلايا ثم يؤخذ الرجال منهم من يقتل، ومنهم من يحتجز، ومنهم من يسجن فيقع عليه الأذى والشدة، ومثل ما يقع في بلاد الشام من التجريد للرجال والنساء والفصل بين الرجال والنساء، وبين الآباء والأمهات والأولاد هذه هي المصيبة والبلية العظيمة أما كون الرجل يغيب عن أهله، وإن كان هناك حق للمرأة على الرجل وللرجل حق على المرأة لكن أشد ما يكون في مثل هذه الصور. وبالجملة هذه المسألة ما يتعلق بغيبة الرجل عن أهله الأولى والسنة، والأكمل أن الرجل لا يجب أن يغيب عن أهله إلا لحاجة يكون قريبًا من أهله، قريب من أولاده ، ينفق عليهم، يربيهم، يؤدبهم خاصةً في مثل هذه الأوقات مع كثرة المصائب والفتن، وما يعرض للأطفال خاصةً إذا كانوا صغارًا من الاختلاط بغيرهم فيكون قريب منهم، فإن حصل له أمر ويحتاج إلى السفر لطلب الرزق أو الدراسة فإذا كانت الزوجة راضية بالحال والواقع في هذه الحالة لا بأس لو كانت راضية بالحال ، لكن مع حفظها لنفسها وأيضًا القيام عليهم بالنفقة، والاتصال بهم، والمراسلة ونحو ذلك. واليوم وسائل الاتصال الآن تيسرت وسهلت ويجتهد مثلًا في أن لا ينقطع عنهم بل يأتي مهما تيسر؛ لزيارتهم، ويجتهد أن لا تكون المدة بينه وبين أولاده طويلة؛ لأن هذا قد يتسبب في مآسي ومصائب. بعض الناس ربما لا يفكر في هذا الأمر يذهب يسافر بدون زوجته وأولاده للحصول على المال، وجمع المال ربما يسبب في ضياع أولاده وأهله فلا خير في مالٍ يورث مثل هذا الشر لا خير فيه في الحاضر. فالوالد إن أمكن يحرص على ذلك لكن إذا كانت المسألة هي المفروضة وواقعة كثيرًا، وهي غياب الرجل عن أهله فإذا كان على الاختيار والثقة هذا لا بأس مع تحمل المرأة وصبرها، وقيامها على أولادها فهي تعين زوجها وهذا عند الحاجة أما حينما تضرر المرأة في هذه الحال وتطول المدة ووقع خلاف بين أهل العلم في هذا الأمر خاصة مع حدوث الضرر. المقصود من هذا: ما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يطوف ليلةً وهو في المدينة فسمع امرأةً تتذكر زوجها بصوت مسموع بأبيات من الشعر تحكي حاجتها لزوجها، فسأل عنها عمر فقيل: إنك قد أرسلت زوجها للغزو فطالت المدة عليها. فجاء إلى حفصة -رضي الله عنها- ابنته فقال: "يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: يا أمير المؤمنين مثلك يسألني عن هذا؛ يعني استحيت منه. قال: يا بنية إني أريد أن أعمل للمسلمين؛ فقالت رضي الله عنها: أربعة أشهر أو قالت ستة أشهر في بعض الروايات فجعل عمر رضي الله عنه للمجاهدين ستة أشهر، شهر يسيرون فيه وأربعة أشهر يمكثون في الرباط أو في الثغور، وشهر يرجعون ولا تتجاوز المدة ستة أشهر" وهذا الأثر رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور، ومالك -رحمه الله- وجاء من طرق كثيرة عن عمر بعضها فيها انقطاع، لكن كثرة طرقه تصحح هذا الأثر عنه عمر -رضي الله عنه-،(1) وهو ثابت وجزم العلماء بثبوتها عن عمر لكن هذا ليس تقديرًا وتحديدًا ثابتًا إنما هو من باب الاجتهاد، هذا من باب الاجتهاد للمسائل فليس تقديرًا ثابتًا إنما عمر -رضي الله عنه- نظر للمسلمين وقدر هذا لكن من ينظر في القضية قد تكون مثلًا المرأة في بلاد ليس فيها أُناس من أهل الإسلام قد تكون مثلًا من بلاد الغرب أمريكا ونحوها مثلًا وغير ذلك أو لاجئة في مكان وليس عندها من تتصل به مثلًا من أهل العلم ما عندها أحد فلا بأس أن يتكون من الجماعة أو لجنة أو مثل ما يكون في المراكز الإسلامية في بلاد الغرب وأمريكا ونحوها فهم مرجعهم في هذا الحكم، هم الحكم والمرجع في هذا فينظرون ويقررون الأمر في النظر لحال هذه المرأة وزوجها فإن قدروا مدةً معينة سواءٌ زاد عن ستة أشهر أو نقص من الستة أشهر أو رأوا أن لها الحق بالمطالبة بالفسخ أو أن الزوج يطلقها ويدعها، وبعد ذلك إذا خلصت العدة تتزوج، وأن هذا يرجع إلى حال المرأة ولكن كما قال سبحانه: ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾([2])، قال سبحانه: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾([3]) يعني لا يمسك ضرار فإذا كان تضرر، ولو كانت المدة أقل من هذه الأشهر فيختلف هذا؛ لأن هذا من حقها؛ ولأنها ربما مع كل مدة قد تقع في أمور محرمة، وربما يحصل ضرر أيضًا زيادة عليها من جهة نفسها، ومن جهة أولادها وقد تنشغل بهذا الأمر، وتقع في أمور يعود ضررها على أولادها فتريد أن تعف نفسها حتى يكون سببًا في حفظها لنفسها وحفظها لأولادها؛ لأن عدم حفظها لنفسها سببٌ لضياع أولادها هذا أمرٌ واضح وبيِّن؛ ولهذا في هذه الحال إذا أمكن أن يفصل الأمر عند الحاكم والقاضي فلا بأس وإلا إذا لم يتيسر ينظر في هذه القضية من يتيسر من أهل العلم والفضل، وبهذا تصل إلى حقها وإن حُلَّ الأمر بينهما كان أتم وأكمل.     

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)أخرجه سعيد بن منصور (2463)، وعمر بن شبه في تاريخ المدينة (2/760).         ([2])[البقرة:231]. ([3])[البقرة:231].


التعليقات