يقول السائل : أختي تزوجت وزوجها يقول لها أكشفي وجهك، لأن تغطية الوجهة سنة وليست واجب، فهل كلامه هذا صحيح؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا لا ليس بصحيح، ولا يجوز له أن يأمرها بذلك خاصة في هذا الأمر، هو يأمرها بشيء الذي يكون من حقه، وأما ما يتعلق بحجابها وعفتها فلا يجوز له ذلك ولا يجوز لها أن تطيعه، وحجاب الوجه واجب والأدلة في هذا كثيرة، وإن كان هناك خلاف ولكن ينبغي أن يعلم أن خلاف أهل العلم الذين قالوا أن حجاب الوجه ليس بواجب مشروط بأدلة، لكن الذين قالوا أن الحجاب مشروع وليس شامل للوجه، فإنه مشروط وواقع النساء اليوم خارج عن الشروط الذي ذكرها أهل العلم، ويكاد يكون متفق عليه وقد نص علماء الشافعية على هذا رحمة الله عليهم، ممن يجوز كشف الوجه وذكروا أن مثل هذا لا يجوز حينما لا تأمن الفتنة، وهذا أصل معلوم، لكن الأدلة في هذا واضحة، قال سبحانه: (ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) ([1]) ، وكذلك قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ) ([2]) والمعنى أنها تأخذ جلبابها من رأسها وتغطي وجهها ونحرها وكذلك قول الله عز وجل: (وإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن ورَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ) ([3]) فإذا كان هذا في نساء النبي عليه الصلاة والسلام، معللة في قوله {ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن}، هل يقال أن هذه الطهارة ليست للنساء حق بها، بل يقال أنها إذا كانت لنساء النبي عليه الصلاة والسلام فلسائر النساء ألزم وأوجب وكذلك قوله سبحانه وتعالى:(ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) ([4]) قال ولا يضربن بأرجلهن، والمعنى أنها إذا ضربت برجلها يعني يجلب النظر إليها، وكذلك إلى قدمها هل يقال إنه لا يجوز النظر إلى القدم ويجوز النظر إلى الوجه، الذي هو مجمع المحاسن. بل هذا من دلالة أولى فإذا كان المرأة لا يجوز لها أن تضرب بالخلخال الذي يبدي محاسن قدميها وتجلب النظر إليها، كذلك أيضاً لا يجوز لها أن تبدي وجهها وذلك لا يشك عاقل، أن الفتنة بالنظر إلى الوجه أشد وأعظم من النظر إلى القدمين وقد علم أن الوجه مجمع المحاسن، والأدلة في هذا كثيرة، ومن السنة قول النبي عليه الصلاة والسلام" المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي(5) وغيره عن حديث ابن مسعود وهو حديث صحيح، قول عورة فلا يجوز لها أن تبتدي شيء من بدنها، وكذلك أيضاً ثبت في الصحيحين في قصة سودة رضي الله عنها، حينما خرجت وكانت متجللة متسترة فقال عمر أرجعي فقد عرفناكي يا سودة، يعني بهيئتك ومشيتك وكان يريد رضي الله عنه أن يمنعها بالخروج، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:" أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن"(6). وهذا كان يعني إذا تأملت كالمتقرر أن ستر الوجه أمره أمراً كان معروفاً في ذلك الوقت لهذه القصة، وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها من حديث الإفك، حينما تخلفت عن الركب وكان صفوان رضي الله عنه متخلف عنه ليتبع وينظر ما سقط من المتاع، وينبه من يتأخر فوجد سواد بعيد في الليل في القصة وما فيها، فلما وقف فإذا عائشة رضي الله عنها، قالت فلما رأيته خمرت وجههي بجلبابي(7)، فهذا صريحٌ في أن الخمار يكون للوجه وكذلك في حديث ابن عمر عند البخاري قال لا تنتقب المحرمة(8)، هذا يبين أن النقاب كان معروفاً حينما قال لا تنتقب وأنه كان معروفاً، وكذلك أيضاً إذا كان تخمير الوجه في جماعة النساء وهن في مكان منعزل، لكن الرجال يمرون بهن إنه من الأمر المشروع، فكيف إذا كانت تقابل الرجال كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داوود، أنها قالت كان الركبان يمرون بنا يعني في الحج، فإذا حاذونا سدلت أحدانا من جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه،(9) وهذا من طريق يزيد بن أبي زياد، لكن له شاهد (10)من رواية فاطمة بنت المنذر مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في الموطأ وغيره وهو أنها كذلك كانت تفعل أسماء وقالت: كنا مع أسماء وإذا الركبان إذا حاذوهم سترت أحداهن وجهها بجلبابها، فالأدلة واضحة فعليها أن تنصحه ولكن برفق والكلام الطيب وعليها كذلك عليها حينما تستتر، لا بأس أن يعني إذا تضررت مثلاً كانت مثلاً تغطي وجهها، فلا بأس أن تغطيه تغطية لا تمنعها من رؤية الطريق. تستر فتجعل الخمار على الوجه وتجعل موضع العينين مستور, ولكن ستراً خفيفاً لا يظهر لمن يراها من بعيد، وتبصر طريقها حين يكون موضع العينين عليه شفاف مثلاً تبصر به، لكن يمنع وصفها ونفوذ البصر إليها حتى تبصر الطريق وخاصة في الليل، نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة النور : الآية (31)
([2]) سورة الأحزاب : الآية (59)
([3]) سورة الأحزاب : الآية (53)
([4]) سورة النور : الآية (31)
(5)أخرجه الترمذي (147). وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(6)أخرجه البخاري (147 و4795 و 5237)، ومسلم (2170).
(7)أخرجه البخاري (2661)، ومسلم (2770).
(8)أخرجه البخاري (1838)،
(9) أخرجه أبو داود(1833) وابن ماجه (2935)
(10) وله شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر، رواه مالك في "الموطأ" 1/328 عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمِّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق. وإسناده صحيح.
وقد أخرجه بنحوه ابن خزيمة (2690) ، والحاكم 1/454.