يقول السائل : هل يكفي في هذا الزمن صلة الرحم عن طريق الاتصال بالهاتف، أو وسائل التواصل مع الوالدين والإخوان والأقارب، حتى لو كان بعضهم في نفس البلد؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; التواصل له مراتب، وأيضًا لمن يوصل هم لهم مراتب، فالوالدان لا يكفي الاتصال، الوالدان لهم حق الصلة بالزيارة والسلام وهذا أمر معروف، فلعظم حقهم لا يكفي بذلك الاتصال، إلا من كان بعيد أو اضطر إلى الوسائل هذه لضرر عليه، سواهم يختلف الأمر، فإذا كان ليست له قرابات من أبناء أعمامه، وأبناء أخواله، فعند الصحيح أن الصلة عامة لكل القرابات، ومذهب أبي حنيفة رحمه لله، خلافا لمن قال أنها للرحم، ولم يدخل فيها القرابات الأخرى، والصواب أن الصلة مشروعة للقرابات، وهذه إذا كان هناك لقاء بين القرابات، سواء كان هذا اللقاء في اجتماع يحدد في وقت من الأوقات، هذا نوع من الصلة، وإذا لم يكن هنالك لقاء، فإذا اتصل بهم أو أرسل رسالة أو نحو ذلك مما يحصل به التواصل، ثم أيضًا يختلف بحسب البلد، قد يكون في بلد يكون التنقل فيه مشقة وفيه صعوبة، ونحن نعلم أن الشريعة تعذر الإنسان حينما يحصل مشقة، فيعذر في باب العبادات، لو حصل عليه مشقة في ذهابه وإيابه، فإنه هو يَعذِر، وهو يُعذَر، وليجتهد في الصلة مهما أمكن، وينوي بذلك الصلة، ولا ينوي مجرد المكافأة، فالنبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمرو قال: «ليس الواصل بالمكافئ، لكن الواصل الذي قطعت رحمه وصلها»[1]. هذا هو الواصل، الذي يصل. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث جاء في مسند أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال:«أفضل الصلة، صلة الرحم ذي الرحم الكاشح»[2]. وهو حديث جيد، الكاشح الذي يبدأ الكشحة، يعني أظهر العداوة، كالذي يبدي كشحه، وهو كما تحت الأبط، بمعنى أنه مغرض، وفي حديث أبي هريرة في حديث مسلم «إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، وأحسن إليهم ويسيئون إلى، قال عليه الصلاة والسلام إن كنت كما تقول، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال عندك من الله ظهير ما دمت على ذلك»[3]. يعني كأنك ترميهم التراب الحار، المله يعني يكون جمر ويكون تراب يحيط به، شديد الحرارة، فالمعنى أن ضرر القطيعة في الحقيقة عائد عليه، عليه أن يجتهد في الصلة بقدر ما يمكن، والصلة أيضًا قد تكون بالزيارة، وقد تكون عند الحاجة، حينما يحتاج القريب هذا، ثم الصلة تختلف، قد يكون الإنسان القريب ربما يقطعه الإنسان في الله إذا كان واقعًا في معصية، ولم تنفع فيه الصلة، ورأى أن قطيعته سبب في ارتداده عما هو فيه، فقد نص القرطبي رحمه الله أن وصل هؤلاء، هو هجرهم، أي أن هجرهم هو وصلهم في الحقيقة، ولذا النبي عليه الصلاة والسلام هجر بعض أصحابه من أهل بدر رضي الله عنهم، ومن كان لهم شأن في الإسلام، وكان ربما تبسم مع من كان أقل منهم بل قد يكون بعضهم مغموصًا عليهم في دينهم.