مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

هل يجوز للزوج قراءه رسائل الزوجة التي تتراسل بها مع الأخوات وهذا الأخ لا يرضى بمراسلتها؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; هذه المسألة في الحقيقة لا يمكن الإجابة بها إجابًة مجملة، لأن التفصيل في هذه الأمور هو الأحسن، ولكل حاله ربما يكون جواب خاص، وبالجملة، المسلم والمسلمة لا يجوز له أن يطلع على الأمور الخاصة التي لاتخصه، مما لا ضرر فيها، وليس فيها أمرٌ محرم، ولا يترتب عليه ضرر، هذه مثلا أمورٌ خاصة للرجل والمرأة مما لا يرضاه، والمرأة ربما يكون لها بعض الرسائل الخاصة بينها وبين صواحبها من الأمور المباحة. و قد يقال حتى ولو رضيت هي بأن يطلع، فإنه لا يجوز لها أن تطلعه عليها، إذا كانت هذه الرسائل من خصوصيات بعض صواحبها، وليس فيها من الأمور المحظورة، لأنه معلوم أنه يكون بين النساء من التواصل ومن الرسائل من الأمور التي تكون في دائرة المباح، ولا ترضى أن يطلع عليها الرجال، وهذا أمرٌ معلوم. والمجالس بالأمانة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:«وإذا حدث الرجل الحديث والتفت فهي أمانة»([1]). كما عند أبي داوود، والمعنى إذا كان الحديث أمانة فلا يجوز خيانة الأمانة، سوى هذه تشمل ولهذا قال: «فالتفت». يعني حينما تحدث إنسان وتلتفت، فإن المعنى أنك لا تخبر أحداً، فهذا بمجرد القرينة، مع أنه لم يقل لا تخبر بهذا الحديث، لكن بمجرد الالتفات فإنك تفهم منه أنه لا يرضى أن يسمع الحديث أحد. فلو أخبر بناءً على أنه لم ينهه نقول هو نهاك من جهة الحال، وإن لم ينهك من جهة المقال، ربما كان الحال أبلغ من المقال، ولأنه يثق بأمانتك فيرى أنه ليس من المناسب أن يصرح لك بهذا، ثم العرف بينكما جارٍ على هذا، والعرف بين النساء ربما كان أشد، هذا إذا كان الأمر في دائرة المباح. ومثل هذا ربما يفضي إلى مفاسد، وشكوك، وسوء ظن، فإذا كان دخوله على رسائلها، وكشفه لها من باب سوء الظن، فغير المستند إلى قرائن أو دلائل، فهذا ينهى عنه، و المسلم لا يجوز أن يسيء الظن بأخيه المسلم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }([2]). وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا »([3]). هذا في الحقيقة أمرٌ عظيم؛ لماذا كان الظن «أكذب الحديث»؟، لأنك حينما  تخبر شخصًا عن إنسان، وتقول أظنه كذا وكذا، فالذي يسمعك يصدق، لأنك تخبر عن أمرٍ تظنه وتعتقده، ويكون فيه افتراء أو كذب، فيأخذه الذي يسمعه منك، على أنه حقيقة، لا على أنه كذب، بخلاف ما لو أخبرته بأمرٍ هو يعلم أنه كذب، فهو أمرٌ ظاهر، وربما ينكر عليك، وربما يقول لك اتق الله، لكن حينما تخبر على جهة الظن شخص من الناس، فهذا من أكذب الحديث لأن مفاسده أعظم من الكذب الصريح. ولهذا لو كذب إنسان على رجل كذبًا صريحًا، فإنه لا يصدق ولا يقبل، بل يبطل، بل يكون سببًا في عدم قبول حديثه، لكن يحتال ويأتيه على سبيل الظن والشك، فلان كذا وفعل كذا، حتى يشوه سمعته، والذي يسمعه ربما يثق به، فيجعل كلامه موضع الاحترام، فيساء الظن بذاك الشخص، فتترتب القطيعة والمفاسد وسوء الظن بين المسلمين، وهذه مصيبة عظيمة، ولذلك قال: «أكذب الحديث» فالمعنى أن مفاسده أعظم من الكذب البحت، وهذا يجري في كل ما يكون ظاهره بأمرٍ يكون حسنًا، ولكن تحت العسل السم، ولهذا تجد مثلًا الكافر الصريح شره وفساده أخف من المنافق النفاق الاعتقادي؛ لأنه يظهر الإسلام ويبطن الكفر، مثلا يأتي إنسان ويريد أن يغتاب إنسان آخر، ويظهر الغيبة مظهر الغيرة على الدين، فالذي يسمعه يقول فلان جزاه الله خيرًا يغار على الدين، فيقول حينما يذكر عنده مثلًا رجلٌ من أهل الخير، فيقول نسأل الله العافية، فالذي يسمعه يظن أنه يريد الخير، ويرد المصلحة للناس، وفي قلبه ما في قلبه من الحقد على فلان، والذي يسمع هذا الكلام، ماذا يظن؟، يذهب قلبه إلى مذاهب عدة، أن فلان واقع في موبقات، واقع في مصائب، فيظهر الغيبة مظهر الغيرة على الدين، وهذا من أعظم الغيبة، وهل المفاسد اليوم التي تحصل بين الناس، وخاصة ربما تقع كثيرًا بين أناس ينسبون إلى الخير، وأناس ينسبون إلى العلم، وربما إلى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فيحصل شيءٌ من هذا في نقد أحدهم للآخر، ويكون النقد شبهًة مع شهوة، ويظهر الغيرة على الدين، ونصرة الدين على وجهٍ يكون فيه ذم أناسٍ من أهل الخير، فيحصل الفساد، نعود إلى ما يتعلق بهذا السؤال فنقول: الواجب على الرجل أن يسد أبواب الشر والفتنة، إلا إذا كان حينما تزوجها شرط هذا الشيء، ويعلم أن أناس من قرابة حولها، أو من صواحبها ربما أثروا عليها، وربما أفسدوا ما بينه وبينها، وربما فتحوا أبوابًا من المشاكل عليهما، فأراد مصلحته ومصلحتها، والتزمت هي بهذا، في هذه الحالة لا بأس أن يطالع الرسائل في جوالها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "المسلمون على شروطهم([4])"، وإن كان أمرًا طارئًا، فالأصل حسن الظن بالزوج والزوجة، هذا هو الواجب، إلا إن ظهر أمر فيه ريبة، فعليه أن يعالج الأمر بالتي هي أحسن، وبما يراه مناسبًا مع الشورى، يعني مشاورة من يرى فيه مشورته خير لهذا الأمر الذي نزل به.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ([1])أخرجه أبو داود (4868)، والترمذي (1959) وحسنه ، وأحمد (15104،37379) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (486). (10) سورة: الحجرات، الآية (12). (11) أخرجه البخاري في صحيحه:  باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر, حديث رقم: ( 5717 ). صحيح مسلم: باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها, حديث رقم: (28). (4) هو حديث عمرو بن عوف يرويه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " . أخرجه الترمذي ( 1 / 253 ) وقال : " حديث حسن صحيح "  وابن ماجه ( 2353 ) وذكره ابن عدي في " الكامل " ( 1/333 ) وقال ابن عدي : " كثير –  يعني ابن عبد الله- هذا عامة أحاديثه لا يتابع عليه " قلت: كثير بن عبد الله هذا ضعيف جدا أورده الذهبي في " الضعفاء " ونقل عن الشافعي قال: من أركان الكذب، وقال ابن حبان : له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة.


التعليقات