• تاريخ النشر : 24/05/2016
  • 1564
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

ما حكم خروج المعتدة للزيارة ، أحسن الله إليكم .

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; هذا الكلام عام ، إذا كانت الزيارة لضرورة مثل : امرأة عندها مريض تريد أن تزوره ويحتاج إلى خدمة فلا بأس بذلك، لا بأس أن تزوره بل يشرع لها ذلك خاصة إذا كان هذا المريض يحتاج إليها من ابن أو بنت أو والد أو والدة وليس هناك من يقوم بذلك، وكذلك يدخل فيه على الصحيح لو كان هذا المريض يحتاج إلى بنته وكانت هذه المعتدة، أو الأم تحتاج إلى بنتها لأنها تحسن القيام عليها، وربما لو حضر غيرها لن يحسن القيام بها لا بأس بذلك. خاصة إذا كان الخروج نهاراً وهذا هو الأولى أن يكون خروجها نهاراً لأنه أيسر من الخروج ليلاً، وقد أذن النبي - عليه الصلاة والسلام - لخالة جابر في أن تخرج نهاراً وأن تجد نخلها لأنها أرادت تخرج فمنعها بعض الناس فقال : " بَلَى فَجُدِّي نَخْلك فَإِنَّك عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا"[1] ، فإذا كان هذا خروج في الصدقة ، والصدقة نفع متعدٍّ لعموم الناس فخروجها لأمر يتعلق بمريض أولى؛ لأن الصدقة قد تكون لحاجة ليست تلك الضرورة ، فإذا كان خروجها لزيارة مريض يحتاجها هو أشد حاجة من خروجها للصدقة ، وهذا يكون من باب أولى كما تقدم، ولهذا النبي قال : " اخرجي " ، كأنها أمر مندوب ومطلوب وقال :" تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا " إذا  كان النفع في الحقيقة لنفسها فكيف إذا كان هذا النفع نفعاً متعدياً؟ وقد يكون حال ضرورة هذه الصورة الأولى ، وهناك صور قد يطول ذكرها، لكن إذا كان خروج لزيارة فإن كان زيارة للمؤانسة والمحادثة لصديقة لها في فيظهر أنه لا يشرع أو لا يجوز؛ لأن الأصل هو بقاء المرأة في بيتها ، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - : «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ الَّذِي أَتَاكِ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»[2]  ، وهو أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْر هذا لغير الحامل ، والحامل حتى تضع سواء طال الحمل أو قصر الحمل ، فإذا كان ليس هنالك حاجة فقط مجرد  حديث مؤانسة فعلى هذا لا تخرج ، ونعلم أن المعتدة تأكد بقاءها في بيتها ، والمرأة الأصل أنها تبقى في بيتها ، قال - سبحانه - : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )[3] ، فالمرأة الأصل أن تقر في بيتها ولا تخرج ، لكن المعتدة أمرت بقرار آخر وهو الشيء الذي استجد وهو موت زوجها فهذا قرار آخر ، ربما وقع في كلام بعض أهل العلم من المتقدمين - رحمة الله عليهم - أن قرار المرأة أمر متعين عليها ولو لم تكن معتدة ولذلك قيد بعض أهل العلم خروجها لحاجة، خروج المعتدة لحاجة وهذا قيد واضح وظاهر لأنها يتأكد بقائها في بيتها ما لا يتأكد بقاء غيرها، فغيرها تخرج للزيارة المعتادة لدعوة تدعوها مثلاً أحد أخواتها مثلاً المعتادة، لكن المعتدة لوفاة لا تخرج لمثل هذا الشيء، فهو يوسع لغيرها ما لا يوسع لها ، ولو قلنا أنها تخرج لهذا الشيء لم يكن فرق بين المعتدة وغيرها ولم يكن لقول النبي - عليه الصلاة والسلام - : " امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " [4] معنى؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - قيد مكثها حتى يبلغ الكتاب أجله فدل على أن هذا مكث خاص، وأنها بعدما ينتهي الأجل لها أن تخرج ، وهذا الخروج هو خروج أخواتها اللاتي لم يكن عليهن عدة هذا أمر ظاهر ، فإلغاء هذا المعنى ليس بظاهر ، وقد استدرك بعض العلماء كالزركشي - رحمه الله - على عبارة الفقهاء، هذه العبارة وهذا ليس بظاهر فيما ذكره - رحمه الله - بل بقاءها هو الأصل، وبعض من تكلف توسع في خروج المرأة فقال تخرج في المناسبات والأعراس والزيارات يعني صارت حكمها كحكم غيرها ولم يتجدد لها حكم، نقول لا يشدد عليها ولا يضيق ولا تمنع مطلقاً فلا بأس أن تخرج لو أنها مثلاً أحست بوحشة أحست بضيق لا بأس أن تخرج ؛ ولهذا كان ابن عمر يأذن لابنته تخرج تؤانس مثلاً لا بأس، وهذا الإذن منه يدل على أنه إذن خاص لأمر حصل لها، وكذلك كن في الآثر الذي رواه عبد الرزاق وغيره أو ابن أبي شيبة عن مجاهد أن نساء المجاهدين بعد معركة أحد كن يستوحشن فأمرهن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن يتحدثن فإذا كان الليل أو كان النوم لتئوب كل واحدة لمنزلها ،ممن كن يستوحشن ، فهذا دليل يدل على أنه حينما يستوحشن وحينما يحصل لها ضيق، فربما يحصل لبعض النساء وحشة عند فراق زوجها وتتأذى وتتألم هذا قد يكون نوع مرض نفسي فتسامح في مثل هذا الشيء ويؤذن لها في مثل هذا الخروج، حتى تأنس ثم تعود ومن ذلك لو أن امرأة أرادت أن تعود والدتها ، تزور والدها ليس زيارة غير معتادة أن تأتي والدتها مثلاً كل يوم أو كل يومين ثم حصل لها هذه العدة؛ فلا شك إن زيارتها لوالدتها ليست كغيرها تجد من الألم والمشقة، فإذا تيسرت أن تزور والدتها مثلاً أو من يشق عليها عدم زيارتها كان هو المتعين إن لم يتيسر ذلك وتضررت فلا بأس أن تزور. فالشريعة لا تمنع بل تسير مع ما يساير النفوس وترخص فيما تتضرر منه النفوس وتتألم منه النفوس حتى في مثل هذا الشيء، فلهذا يتوسط في مثل هذا الأمر ما لم يتوسط في غيره، وهذا بخلاف المطلقة، المطلقة غير ذلك، وذلك أن المطلقة زوجها حي فليس كالميت ، الميت أمره أشد في حق عدة المتوفاة ومكثها لا تلحق بالمطلقة من كل وجه، المطلقة زوجها حي لو أراد أن يمنعها مثلاً لو كانت بائنة مثلاً وأراد أن يمنعها فإننا نقول لا بأس بذلك لكن بشرط أن ينفق عليها،  لو يقول هي زوجتي وهي معتدة مني وأنا لا أطمئن أن تخرج وهي الآن ليست تحت ولايتي، فأريد أن أمنعها من الخروج نقول : لا بأس إذا كان هنالك أمر يخشى منه بشرط أن ينفق عليها. أما المتوفى عنها زوجها الزوج ميت فليس هناك من يقوم عليها وأن يراقبها فيتأكد المكث في بيتها ما لم يتأكد مكث المطلقة في بيتها، فليستا مستويتين كما تقدم ، نعم.




[1] - رواه مسلم رقم (1483) في الطلاق، باب جواز خروج المعتدة  البائن والمتوفى عنها زوجها في النهار لحاجتها. [2]- أخرجه مالك في الموطأ 2 / 591 وأبو داود (2300) ، والترمذي (1204) ، والنسائي في "الكبرى" (11044) وابن ماجة(2031)،، والدارمي (2287) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/78، وفي "شرح مشكل الآثار" (3645) ،وابن حبان (4292) ، والطبراني في "الكبير" 24/ (1086) ، والبغوي في "شرح السنة" (2386). [3] [الأحزاب/33] [4] - سبق تخريجه وذكر مصدره.


التعليقات