مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

أنا محفظة قرآن وعندي بيت وأولاد، فهل أعتذر عن حلقة التحفيظ وأنتبه للأولاد والبيت ؟وهل لو اخترت الأخوات الأكثر جدية دون الأخريات هل يكون عليَّ ذنب ؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; كأن السؤال مشتمل على شقين: أولاً : ما يتعلق بتقديمها تربية أولادها على تحفيظها القرآن الكريم ، نقول لها : تنظر في هذا، إذا كان يترتب على تحفيظها القرآن وحضورها لهذه الدار تضييع لأولادها ، لا شك أن هذا لا يجوز؛ لأن تربية الأولاد واجب عين وتدريسها للقرآن أمر مما يستحب أو واجب كفاية، ولكن يقدم هذا على هذا خاصة إذا كان أولادها صغارا، أما إذا كان هناك من يقوم على أولادها، والدهم مثلاً أو هناك من أولادها الكبار من يقوم عليهم ويحفظهم في هذه الحالة تجمع بين المصلحتين على القاعدة المتقدمة إذا أمكن الجمع بين المصالح كان هو الأولى والأكمل[1] ، أما إذا كان الأمر دائرًا بين قيامها على أولادها أو قيامها بالتدريس في التحفيظ في الدار في هذه الحالة يجب عليها ذلك لقوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )[2] ، وقال - سبحانه وتعالى - : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[3]  ، السُنَّة بل المشروع القيام على الأولاد ولهذا ثبت في الصحيحين عن أم سلمة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ، فَقَالَ: «نَعَمْ، لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ» [4] ، المعنى أنها ليست بتاركتهم في القيام عليهم ، وقال : «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ» [5] هذا عام الرجل والمرأة كلاهما يقوم عليه، وخاصة إذا كانت المرأة هي القائمة على أولادها مثل أن يكون الزوج غائباً، أو أن تكون أرملة زوجها متوفى، أو مطلقة أو نحو ذلك ، أو زوجها مثلاً منشغل بعمل وهي التي تقوم عليهم فيجب عليها ذلك، وحفاظها على أولادها مقدم على تدريسها في الكُتَّاب حتى لا يكون تضييع لهم " كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّع مَن يقوتُ"[6]  ، وهذا يدخل فيه المرأة من جهة القيام عليهم بالتربية والإحسان إليهم، فعليها أن تعلم أولادها القرآن وتدرسهم العلم وتجتهد في تربيتهم هذا هو الواجب عليها. ثانيا: أما ما يتعلق باختيار الأخوات الأكثر جدية هذا في الحقيقة لا يمكن الجواب عليه جواباً مجملاً هذا يختلف ، فربما تكون الأخت السائلة امرأة مثلاً من الداعيات من طالبات العلم ممن عندها حسن الدخول مع الأخوات فقد يكون جلوسها مع من لم يكن أكثر جدية أنفع لهم؛ لأنها لا تنظر إلى مصلحتها تنظر إلى مصلحة غيرها فلو كانت تعرف أخوات عندهم شيء من التقصير في أمور العبادات وعدم العناية بالعلم أو تفريط في بعض أمور الواجبات  في الحجاب مثلاً أو حقوق الأولاد أو حقوق الزوج أو ما أشبه ذلك فإن مخالطتها لهن وجلوسها معهن أو مخالطتهن أجل وأعظم ، قال - عليه الصلاة والسلام - :« الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»[7] ،فربما أنها يحصل لها من الخير والصلاح معهن ما لا يحصل مع غيرهن ، إذاً لأنها ربما تنظر لمصلحتها هي، مع أنها حينما تدعو غيرها وتعلم غيرها يحصل لها من الفائدة والعلم الشيء الكثير، وإن كان الأمر ليس كذلك إنما على الاختيار وليس هناك مرجحات فلا شك أنه في هذه الحال تنظر ما هو أكثر مصلحة لها مع من هو أكثر جدية وأكثر فائدة ، نعم.




([1] ) مجموع الفتاوى لابن تيمية 23/182- 343 ، 20/48 و28/284 و29/228. و إعلام الموقعين لابن القيم 3/179. عمدة القاري للعيني 3/189 . فتح الباري لابن حجر 9/123 . مدارج السالكين لابن القيم 1/266 . [2] [التحريم/6] [3] [طه/132] [4] - أخرجه البخاري(1467) و(5369)، ومسلم (1001). [5] - أخرجه أبو داود رقم (495) و (496) . [6] - أخرجه مسلم رقم (996). [7] - أخرجه الترمذي رقم (2509) وابن ماجة في " سننه " رقم (4032).


التعليقات