يقول السائل: هل يجوز المشاركة في رحلة المريخ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
نعم. هذا السؤال وصل مطول من بعض الإخوان وذكر يعني أن هناك شركة أو مثلاً شركة ناسا تدعوا إلى رحلة إلى المريخ وقد يعني عملت دعاية إلى مثل هذا وأنهم يريدون أن يكتشفوا المريخ، ويريدون أن يخدموا البشرية، وأنه تقدم لهم أناس كثيرون يتجاوزون مائتي ألف، وأنهم اختاروا منهم عدداً، وأن هذا سوف يكون بعد مدة حيث يهيئونهم بتدريب وتهيئة لإن يصعدوا إلى هذا الكوكب.
وهذا في الحقيقة كل عاقل يقول ما الذي يدعو إلى مثل هذا؟ وما الغرض والقصد في مثل هذا ؟ وهذا يعني إن فرض حسن النية فيه؛ لأن هناك أمور لا يُدرى ما المقاصد، ولم يبين أصحابها المقاصد فيه؛ لأن لا حاجة ولا ضرورة إلى مثل هذا. ومتى كان الناس محتاجين إلى مثل هذا خاصة أنهم يعترفون أنهم ليس عندهم حقائق ولا أمور يقينية في مثل هذا، إنما مجرد تخرصات وأنهم لا يضمنون يعني سلامة من يدعونهم إلى مثل هذه الرحلة. فهذه الرحلة أو من يدعو إليها ومن ينظمها إن سلمت من مقاصد سياسية لأمور أخرى مقصودة ويُتخذ أناس ربما يُغرر بهم لأمور لا يُعلم ويكونون هم الضحية في مثل هذا، إن فرض السلامة عن مثل هذا فيقال أنتم تقولون ابتداءاً نحن ندعوكم إلى مثل هذا ويهيئونهم ثم يقولون أنتم عليكم أن تعتقدوا أن رجوعكم من الأمر الذي لا يُعلم ولا يُدرى، فهي كما يقال رحلة بلا عودة، رحلة بلا رجوع.
فإن كانوا صادقين في بحثهم وأنهم يريدونه فليبدأوا بأنفسهم، كما يقول كثير من الناس ممن يستنكر على مثلاً بعض أهل العلم حينما يدعوا إلى خصلة من خصال الخير وقد يكون هو ليس متهيأً لها يدعوا غيره من إخوانه، من الشباب وغيرهم إليها، فيأتي فيقول يعني أنت أولى بها مع أننا نقول إن من يدعوا إلى خصلة من خصال الخير فالأصل أن يكون هو الأول والأبدى بها إلا إن كان هناك خصال أخرى هي أولى بذلك، أما مادام أن الأمر في خصلة وأمر لا يتحقق ولا يتقين ولا يعلم وهم ليس عندهم حقائق ولا يقين بمثل هذا، والمخاطر موجودة وإمكانية العيش هناك على المريخ كما يقولون أمر ليس متحققاً إنما هي رحلة فيها مخاطر في ابتداء الرحلة وفيها مخاطر في أثناء الرحلة وفيها مخاطر عند الهبوط؛ ولهذا هم يقولون إن الجسم حينما يركب في هذه المركبة فإنها تهيأ على وجه لأجل أن تواجه ما يعرض في هذا الوجه، وما يعرض لسطح الشمس الذي تواجهه، وأنها تسير بسرعة عالية جداً تفوق سرعة الطائرة يعني بأضعاف كثيرة، ومثل هذا يعود على البدن بضرر فقد لا يتحمل ويهلك من أول رحلته ثم هو يُحجز في مكان ضيق ومع جماعة لابد أن يضطر إلى البقاء في هذا المكان الضيق مدة طويلة عدة أشهر في هذه السرعة الفائقة. ثم بعد ذلك يقولون نزوله محفوف بمخاطر فقد ينفجر هذا الكوكب فيهلك. ثم حال نزوله ليس مؤمن فيه أمور العيش ولا طعام ولا شراب إلا ما هيأ نفسه عليه.
هذا في الحقيقة كلها دعوة إلى الهلاك، حينما يتكلم أناس من أهل العلم في هذا ويقولون إن مثل هذا لا يجوز بنوا على أدلة من كلامهم، من كلام من قال هذا ولو أن إنسان على وجه الأرض أراد أن يذهب إلى مكان في وجه الأرض، مع أن وجه الأرض مبسوطة ومهيأة فيها الحياة ولو ذهب إلى هذا المكان وليس معه وسائل الحياة يكون قد ألقى بنفسه إلى التهلكة وهو على وجه الأرض، فكيف إذا كان يرحل إلى جهة لا يعلم ما هي ولا يدري؟ ثم أيضاً اختلاف الجاذبية فيها، ووسائل الحياة الأساسية غير موجودة، يعني أساسيات الحياة هم يعترفون أن أساسيات الحياة من الطعام والشراب لا يمكن إلا أن يؤمنها هو بما يستطيع مع أنه يذهب على وجه هو يقول إنه مخاطر بنفسه، كالذي ألقى بنفسه إلى التهلكة مع ما يحصل من تضييع أمور واجبات، يعني بلا شك أنه سوف يدعوا نفسه لتضييع أمور من الواجبات في أمر يغلب على الظن الهلاك، والعلماء نصوا على أنه لو أراد أن يركب البحر وكان البحر مرتجاً، فلا يجوز أن يركب. وكذلك لو في رحلة في طائرة وأن الهبوط محفوف بالمخاطر وقد يحصل للطائرة مثلاً بعض العوامل التي تسقطها وهذا شوهدت فإن الرحلة في الغالب تُلغى ولا يتم تنفيذها لما فيها من المخاطر ولا يوافق على هذا أحد مع أنها أمور ومخاطر قد تحصل وقد لا تحصل، فكيف على هذا الوجه؟
ثم هذا في الحق مكابرة حيث أنهم يريدون أن يعيشوا على غير سُنَّة الله- سبحانه وتعالى-، الله- سبحانه وتعالى- يقول:(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)[1]، وقال:(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[2] ، وقال:( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[3]
فالأرض هي التي محل الحياة وهي محل الموت وهي التي بسطها- سبحانه وتعالى-،(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)[4]، مدها- سبحانه وتعالى- وبسطها وفيها الحياة يعني (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[5]، هذا هو يعني سُنَّة الله- سبحانه وتعالى- في خلقه، ومثل هذا مخالفة لهذه السنن بل معاندة مع ما فيه من هذه المخاطر العظيمة؛ ولهذا على من أراد أو من خدع بهذه الكلمات عبر دعاية هذه الشركة أن يراجع نفسه وأن يستخير ربه في مثل هذا الأمر الخطير، هذا أمر خطير عليه أن ينظر في الأمر وأن يعاود وأن يفكر ولا شك أنه حينما يقع في الفخ حيث لا يمكن عند ذلك يندم في ساعة لا ينفع فيها الندم، حينما هؤلاء الذين قالوا مثل هذا يقولون نحن قد بيَّنا الأمر، هم يقولوا قد بيَّنا الأمر ونحن ليس علينا أي مسئولية يقولون، يقولون أنه محفوف بالمخاطر فكيف تعرِّض نفسك لهذه المخاطر وأنت في سلامة وعافية ولا يُعدل بالسلامة والعافية شيئاً.