يقول السائل : شاركت في مسابقة دولية في علم من العلوم الطبيعية التجريبية عن طريق إحدى المؤسسات التابعة للدولة، وهذه المؤسسات تضع جائزة مالية لمن يحقق إنجازًا في هذه المسابقات، فما حكم هذه الجائزة؟، وهل تعتبر من العوض المحرم؟، ومثل ذلك كثير في المدارس والجامعات؟.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
مسألة المسابقات فيها تفصيل، هناك مسابقات تجوز مع كونها تدور بين الغرم والغنم، يعني يجوز فيها هذا الوصف على وجه القمار لما فيها من المصالح التي تغلب مصلحتها مفسدتها وتتغلب المفسدة، وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام: "لا سبق إلا في نصل وخفٍ أو حافر"،(1) فهذا يجوز على الصحيح حتى ولو كان المال من المتسابقين، أو الجماعتين، أو الفريقين، وألحق بهذه الثلاثة جمعٌ من أهل العلم والأحناف واختاره جمعٌ من الحنابلة وغيرهم، مسابقات في حفظ القرآن وحفظ السنة على الصحيح ولو بدل العوض كلٌ من المتسابقين لما فيه من الحث على نشر العلم والفائدة والخير، وكذلك ما في الحديث مما يعين على الجهاد، أو هو بابٌ من أبواب الجهاد، هذا لا بأس به على الصحيح خلافًا للجمهور، واشترطوا شروطًا لم يدل عليها الحديث، والمسألة هذه أدلتها واضحة من السنة ولله الحمد، أما ما سوى ذلك من المسابقات الخارجة عن هذه الأشياء فيجوز منها ما لم يكن فيه قمار، فإن كان فيه قمار فإنه لا يجوز، فإذا دار العقد أو المسابقة مهما سميتها بين الغنم والغرم فإنه لا يجوز، هذا إذا كان مجرد دوران الأمر بين الغنم والغرم، أما إذا ترتب على ذلك أمور أخرى أو محرمات أخرى فيكون تحريمه من عدة جهات، كما يكون في بعض المسابقات المشتملة على أمور محرمة، لكن هذا إذا كان مجرد مسابقة على أمورٍ مباحة وليس فيها قمار، إنما أن يكون غارم أو سالم، لا غانم أو غارم، واليوم تعددت صور المسابقات والجوائز في وسائل الإعلام، في الصحافة والتلفاز، وعبر وسائل الإعلام عمومًا، هذه المسابقات وكذلك من خلال المحلات التجارية والمؤسسات وما أشبه ذلك اتسعت اتساعًا عظيمًا وكثيرٌ منها يدخله القمار المحرم الذي يترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل وما فيه من المفاسد التي تكون أحيانًا أشد وأعظم من مفاسد الربا، ومن ذلك المسابقات التي تقام في الصحف والمجلات والجرائد كما تقدم أو عبر التلفاز ونحو ذلك، فالقاعدة في هذا أن كل من دفع مالًا لأجل أن يحصل على جائزة فإنه لا يجوز ولو كان المال قليلًا، لكن لا يلزم من دفع المال أن يكون على صورةٍ ما، بل ربما يكون دفع المال على وجه الاحتيال بأن يشتري شيئًا بقيمةٍ أعلى من قيمته، فعلى هذا ما يجري من المسابقات فإذا مثل هذه المسابقة المذكورة هنا في هذا السؤال، مسابقة في العلوم الطبيعية، وتعطي جائزة لمن يحقق شيئًا من الإنجازات، فإذا كان على ظاهر السؤال فلا يظهر فيه شيء ما دام هذا المنجز وهذا الشيء الذي يتسابق عليه ليس فيه مفسدة وليس محرمًا وليس معينًا على محرم ولا يؤول مباشرةً إلى مفاسد سواءٌ كانت خاصةً أو عامة، لا بأس كما تضع مؤسسة أو جهة من الجهات جوائز لمن يحقق هذا الإنجاز ونحو ذلك، أو هذا الاختراع، هذه مسألة التشجيع ودفع للتحصيل والفائدة التي تنفع عموم الناس، هذا لا بأس به على هذا الوجه، وكذلك أيضًا لو أنه قيمة المسابقة من بعض الجهة من الجهات وتوزع جوائز على كل مشترك في هذه المسابقة بدون مال يدفع وكانت في آنٍ واحد لا بأس به، لأنها بمثابة الهبة والعطية، لكن قد تكون في الهبة والعطية شيء من الغرر والمخاطرة، هذا لا يضر ما دام أنه إما أن يغنم وإما أن يسلم، هذا لا يضر، مثل إنسان يقول أعطيك ما في يدي أو ما في بيتي وهو مجهول مثلًا، فلا ينظر هذا لأنه ليس فيه ضرر ولا خطر، إنما هو دفع مال، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما كان لي ولأهل بيتي أو لبني هاشم أو لعبد المطلب فهو لكم"(2)، يعني من شيءٍ من المال، وهذا شيءٌ لم يعلم قدره، ووهبهم شيئًا لم يكن معلومًا ولم يكن معروفًا فوهبه على سبيل العموم، فهذا لا بأس به، لكن الذي يجري في كثيرٍ من المسابقات أنها تكون على سبيل الدفع، مثل بعض المسابقات عن طريق الهاتف، اتصال مثلًا على رقم معين ومن اشترك واتصل فإنه يدخل في هذا السباق ثم يكون السحب، فهذا إذا كان هذا الاتصال اتصال معتاد ليس فيه زيادة فهذا لا بأس به بشرط أن يكون هذا الشيء الذي يتسابق عليه من الأمور المباحة ولا يفضي إلى مفاسد، وإن كان فيه زيادة في المال ورفع السعر في الاتصال فإنه لا يجوز، لأنه في الحقيقة كأنه دفع مالًا لأجل الدخول في هذه المسابقة وهو ما زيد في قيمة الاتصال، بدلًا ما تكون الدقيقة الواحدة مثلًا بالهللات تكون بالريالات، ويدخل فيه لو كان الاتصال بالقيمة المعتادة، لكن يعرض السؤال على المتصل بصورة يكون فيه طول في الجواب وما أشبه ذلك فيطول الاتصال مع أنه في الأصل ليس من عادته أن يتصل هذا الاتصال حتى يثبت في ذمته بهذا الاتصال مال بالإضافة إلى طول الوقت يكون له قيمة، فهذا في الحقيقة يلحق على الصورة المتقدمة وهو رفع سعر تكلفة المكالمة، كذلك أيضًا لو كان في مسابقة في جرائد ويكون كما يقال في كوبون ونحو ذلك بالأوراق التي تشبه أوراق القمار، ويكون له قيمة زائدة على قيمة الجريدة، هذا أيضًا، فلو كانت قيمة الجريدة مثلًا بريال أو ريالين وهذا يزاد في قيمة الكوبون كذلك فإن هذا لا يجوز لأنه دفع مالًا، وكذلك أيضًا لو كانت هذه المسابقة مثلًا تقيم بعض المحلات التجارية وتضع جوائز لمن يشتري بهذا القدر المعين ثم توزع بعد ذلك على المشاركين، فهذا حتى ولو وزعت على جميع المشاركين إن كانت السلع تباع بثمنها المعتاد ولا زيادة فيه فهذا لا بأس فيه، غاية الأمر أن يكون بمثابة الهدية المبتذلة من هذه الجهة التجارية، فلا بأس من ذلك، إنما ربما يكون الضرر على وجه يحصل فيه مثلًا منافسة لمحلات تجارية أخرى، فإذا حصل منافسة ومضايقة هذا قد يقال إنه فيه شيء من الشبهة، لكن لا من جهة القمار من جهة احتكار المشترين ونحو ذلك، فإذا كانت هذه السلع التي تباع يزاد في قيمتها ويكون المشتري في الحقيقة دفع مالًا مقابل الجائزة، فهذا لا يجوز حتى ولو لم يكن على طريق السحب وأعطي كل متسابق، لأن كل متسابق دائر بين الغنم والغرم، فلو مثلًا اشترى مثلًا من هذه السلع بمقدار ألف ريال وكانت الزيادة مثلًا عشرة في المائة فيكون دفع مائة ريال لأجل الدخول في هذه المسابقة، وكل مشترك يكون دفع بقدر المشتريات التي اشتراها، فيكون دائرًا بين الغرم والغنم، هو دفع مائة ريال، والجائزة التي تأتيه قد تكون مائة ريال، وقد تكون خمسين ريال، وقد تكون مائتين ريال، فيكون دائرًا بين الغرم والغنم، فلا يجوز مثل هذا، وكذلك أيضًا بعض ما يباع من السلع ونحو ذلك، حينما يوضع فيها شيء لأجل أن يدرج ولا يدري ما هو، فلو وضعت بعض السلع مثلًا هدايا ونحو ذلك وأنت تشتريها ولا تدري هذه الهدية التي فيه هل هي زيادة في الكمية أو هدية عينية مثلًا من الهدايا، تشتري أنت لأجل الحصول على هذه الهدية، فإذا كانت هذه السلع بقيمتها ولم يزد فيها بهذه الهدية فلا بأس من ذلك، إلا على وجه وهو أن يكون يشتري أكثر من سلعة، من عادته أن يشتري مثلًا علبة من اللبن أو غير ذلك لكن لما صار فيه هدية بدل أن يشتري علبة صار يشتري عشر علب لعله يجد في هذه هدية أكثر ونحو ذلك، والأظهر أنه لا يجوز في الحقيقة لأنه يهدر مالًا بدفعه حتى يحصل على هدية لعلها تكون أكثر من المال الذي دفع، هذه لا تجوز حتى ولو كانت تباع بقيمتها، في حقه لا يجوز، لكن في حق صاحب المحل هل يجوز أو لا يجوز؟، موضع نظر، فإن كان غالب على الناس هو هذا الشيء فالأظهر أنه لا يجوز هذا لما فيه من إعانة الناس في الوقوع في عقود القمار ولما فيه من إهدار الأموال وإفساد الأموال، وكذلك أيضًا من باب أولى لو أنه زاد في السلعة لأجل الهدية الموجودة فيها وهي لا تعلم كذلك فإنه لا يحوز لأنه قمار، وربما يدخل في هذا أيضًا لو كان إنسان ليس من عادته أن يشتري هذه السلعة ولو كانت تباع بقيمتها ولو كان يشتري سلعة واحدة لكن ذهب إلى هذه المؤسسة أو هذا المحل من محلات التموينات وغيرها ممن يقدم هذه الهدايا أو يعمل مسابقة عليها قصد شراء الهدية وليس من عادته أن يشتري هذا الشيء، مثل إنسان اشترى جريدة وليس من عادته أن يشتري الجريدة لكن اشتراها لأجل الهدية، هذا في الحقيقة من جهة المعنى في حكم من دفع مالًا بقصد أن يكسب مال، ففرقٌ بين من كان من عادته أن يشتري السلعة ومن لم يكن من عادته أن يشتري السلعة، فالذي من عادته أن يشتري السلعة فيجرى أمره على ما كان عليه، فالأعمال بالنيات، والاعتبار في العقود بالقصود، هذا لا بأس به على الشرط المتقدم أن يكون هذه المسابقات مباحة وأن لا تفضي إلى أمر محرم، أما إذا كان اشتراها لأجل الهدية وقصد ذلك في الحقيقة أنه دفع مالًا لأجل أن يكسب مالًا، وذلك أنه الذي اشتراه ربما يتلفها وليس لها أي قيمة عنده في الحقيقة، وجودها كعدمه، بل إنه لو طلب منه لو قيل له أو هو لو قال يمكن أن يدفع قيمة هذه الجريدة أو قيمة هذه العلبة ويتركها في المحل أو يرميها ربما، وربما أيضًا هو لا يحبها ولا يرغبها إذا كان طعامًا مثلًا أو بعض المشروبات فربما يشتري هذه السلعة ويدفع المال عقدًا صوريًا ويتركها أو يعطيها أي إنسان لأنه لا قصد له في هذا الشراء، مثل ما يجري في صور التي تكون حقيقتها وباطنها عقود ربا، وهي في الظاهر صورة بيع، فالقصود في العقود معتبرة، والمقصود أن يكون العقد دائرًا بين الغنم والغرم، وبهذا يتبين أن ما يقدم من الجوائز التي تدفع مباشرة من المحلات، تدفع مباشرة حينما تأتي إلى محل وأنت لا تعلم عن هذه الهدايا فيعطى هدية أو علبة ونحو ذلك، مثل ما يعرف في بعض المحطات، هذا لا بأس به، بمثابة هدية مبتدأة، أو بمثابة التخفيض في السعر لكن في صورة هدية من أجل أن يكسب زبائنه، فهذه هي القاعدة في مسائل الميسر والقمار، ومأخوذ الأدلة جاءت في الكتاب والسنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (2574) والترمذي (1700) وابن ماجه (2878) ، والنسائي (3585) وأحمد (8993)، وقال الألباني: صحيح.
(2)أخرجه النسائي (3688) وأحمد (7037)،