الأخت رجاء من الجزائر سألت عن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾[التحريم:1]؛ تريد شرحًا وتفسيرًا لهذه الآية؟ ثم؛ ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ [التحريم:5]؛ تسأل عن معنى سائحات يا شيخ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الآية واضحة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾[التحريم:1-2]؛ فالمعنى أنه عليه الصلاة والسلام في القصة المعروفة واختلف في سبب تحريمه عليه الصلاة والسلام هل هو بسبب العسل أو سبب مارية.وقيل أنه في الأمرين جميعًا، وإليه ميل كثيرٍ من الشراح لأن القصتين
صحيحتين، أحدهما في الصحيحين وهي قصة العسل(1)، والأخرى علم ثبتت بسندٍ صحيح،(2) فقال كثيرٌ من أهل العلم: أنه إذا أمكن العمل بكلا الحكمين أو الواقعتي بلا تنافٍ فلا يمتنعوا، ذكروا وجوهًا من هذا. أما قوله: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ فالله أعلم يعني هي وقع فيها خلاف، وقيل: من السياحة: الصيام، الصياحة: الصيام. وجاء في حديثٍ جيد رواه أبو داود أنه -عليه الصلاة والسلام قال: «سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله»(3) وهذا المراد بالجهاد، جهاد القتال هذا في حق الرجال، قتال الأعداء.وأما النساء فإن المرأة ليس في حقها الجهاد، جهاد القتال، إنما في حقها الجهاد، جهاد النساء، مثل: ما جاء في صحيح البخاري عن ربيع بنت معوذ(4)، وفي صحيح مسلم عن أنس -t- في قصة أم سليم،(5) وأنها كانت تقاتل، وكان معها خنجر، وقال أبو طلحة للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "ألا ترى أم سليمٍ" فرأى معها خنجر قال: «ما هذا يا أم سليمٍ؟» قالت: "خنجرٌ أردت إن دنا مني رجلٌ من المشركين بعجته ببطنه، فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام-". وكذلك حديث أنس في البخاري قال: "كانت أم سليم وعائشة تنقذان القرى كأني أرى يعني أرى خللا، يعني يسمع صوت الخلاخل، وأنهن كن يسرعن في إملاء، يملأن القرب فيفرغنها في أفواه الجرحى من المجاهدين،"، وكذلك جاءت عن الربيع -t- في البخاري أنها كانت تفعل هذا، ويعني هذا مما قيل ولكن الله أعلم بتحرير القول فيها مسالة السائحات، فهذا هو المعنى المراد فيها نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عن عَائِشَةَ تُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، فَنَزَلَتْ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: 1] {إِنْ تَتُوبَا}[التحريم: 4] لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا "أخرجه البخاري (5267) ومسلم (1474) (20) ،
(2)عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ ارَتجَعَهَا " وهذا إسناد ضعيف لإرساله، عاصم بن عمر ابن الخطاب، قال ابن عبد البر: مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله سنتان- يعني فلم يسمع منه. وله شاهد من حديث عمر، عند عبد بن حميد في "المنتخب" (43) ، عن يحيى بن آدم، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن صالح بن صالح بن حي، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلق حفصة ثم راجعها. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه أبو داود (2283) ، والنسائي 6/213، وابن ماجه (2016) ، وأبو يعلى (173) ، وابن حبان (4275) ، والحاكم 2/197، والبيهقي في "السنن" 7/321 من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، به، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي.
(3) أخرجه أبو داود (2486) والطبراني في "الكبير" (7760)،
(4) أخرجه البخاري (5679)
(5) أخرجه مسلم (1809).