مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

يقول السائل : ما هو الهم المراد من قوله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ )([1])وما هو البرهان ؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)([2])هذه الآية وقع في تفسيرها خلاف ، وذكر فيها أقوال لا تصح ، وفيها ما نقل بعض أقوال منكرة نقلت عن بني إسرائيل ، وبعضها لا تليق بمقام يوسف عليه الصلاة والسلام وأحسن ما يقال والله أعلم في مقولة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)([3]) أن الهم همان ؛ هم إصرار وهم خطرات ، وهذا الهم هم خطرات والخطرات هذه لا يؤاخذ به العبد . وجه آخر وجهه بعض العلماء أنه لم يقع منه الهم أصلا لأن الله تعالى قال (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)([4]) فالمعنى على هذا التقدير فلولا أن رأى برهان ربه فهم بها . الواقع أنه لم يقع منه هم لأنه رأى برهان ربه ، (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)([5]) يعني لم يهم بها لأنها رأى برهان ربه كما تقول يعني ؛ قد غرقت ، وهلكت لولا رحمة الله . المعنى أنك لم تقع لتقل لقد هلكت لولا رحمة الله ؛ المعنى أنك لم يقع عليك هلاك لأن رحمة الله حصلت لك ولله الحمد ، فلم يقع عليك هلاك ، وما أشبه ذلك . يعني لو أن إنسان أصابه حادث فقال: لقد هلكت لولا رحمة الله عز وجل وما أشبه ، أو تقول مثلاً لقد فشلت لولا توفيق الله عز وجل ، يعني انه لم يحصل لك فشل ، بل نجحت ولله الحمد بسبيل توفيق الله عز وجل . هذا من باب تذكر النعمة ، وأن الهلاك والفشل وما أشبه ذلك حاصل لولا أن العبد يستعن بالله ، فإذا استعان بالله وتوكل عليه فلا حول ولا قوة إلا بالله . هذا واضح وهذا أقرب ، والمعنى أنه لم يقع منه هم أصلاً، ثم يعلم أنه عليه الصلاة والسلام قد اعترفت المرأة وقالت (الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)([6]) التي روادته هي، ولهذا هذا تفسير لقوله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)([7]) وقالت (الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ)([8]) أما هو لم تذكر عنه شيء أنه هم وصدقته ، وقالت (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) ([9]) لاشك أنه صرف عنه السوء والفحشاء فلم يقع منه هم بها ولهذا قال من المخلصين . أنه خلص نفسه إلى الله عز وجل فلم يقع منه شيء بالميل إليها مع أن العبد لو وقع منه هم في سيئة ثم تركها لله عز وجل كتبت له حسنة كما روى في الحديث الصحيح ، لكن في الآية والله أعلم انه لم يحصل بالهم لقوله عز وجل (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)([10]) وهذا الهم الثاني ، الهم الأول واقع . ولقد همت به، أما الهم الثاني ليس بواقع لأنه تقيد بقوله" لولا أن رأى برهان ربه" ، والمعنى أنه رأى برهان ربه فلم يهم بها ولم يقع منه هم عليه الصلاة والسلام أما البرهان: الله أعلم ذكر فيه أقوال . الله أعلم . البرهان قد يكون شيء وقع في القلب (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) ([11]) فقال والله أعلم أن هذا هو المراد لأنه شيء يقع في القلب والبرهان مما يقع به التمييز بين الحق والباطل . وهذه يقع في قلب الإنسان قبل أن ينطق به لسانه ، فإذا وقع في قلبه ومال إليه قلبه ، واطمأن إليه قلبه نطق في الحق لسانه ، كذلك أوقع الله سبحانه وتعالى من فيه هذا اليقين وهذا الإيمان العظيم وهذا الإخلاص الصادق . هذا أعظم برهان (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) ([12])  عليه الصلاة والسلام .




[1]- سورة يوسف : الآية 24 [2]- سورة يوسف : الآية 24 [3]- سورة يوسف : الآية 24 [4]- سورة يوسف : الآية 24 [5]- سورة يوسف : الآية 24 [6]- سورة يوسف : الآية 51 [7]- سورة يوسف : الآية 24 [8]- سورة يوسف : الآية 51 [9]- سورة يوسف : الآية 24 [10]- سورة يوسف : الآية 24 [11]- سورة يوسف : الآية 24 [12]- سورة يوسف : الآية 24


التعليقات