يقول السائل : أنه يعيش بفرنسا وأنه لا يستطيع إعفاء لحيته فمالحكم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
يُنظر في مقامه في بلاد غير المسلمين: إذا جاز للمسلم أن يبقى في غير بلاد المسلمين، أو شُرع أو وجب، لأن أحياناً يكون البقاء في بلاد غير المسلمين واجباً وأحياناً مستحباً وأحياناً جائزاً لأمر عارض، فلو كان رجل من أهل الإسلام في بلاد الكفار وكان بقائه لأجل نشر العلم والدعوة إلى الله ويسلم على يديه من فتح الله على قلبه من الكفار، وهو يعلمه، وتركه لهم فيه ضرر وربما يعود بعضهم إلى دينه السوء، لأنه فقد من يدعوه ويرشده، فيكون بقائه ضرورة لتعليمهم ونشر العلم، وأن هذه الثغرة التي هو قائم بها لا يوجد من يسدها سواه، وحصول ضرر على المسلمين بتركه لهذا المكان، فهذا نص العلماء كالماوردي في الأحكام وشيخ الإسلام رحمه الله في بعض كلامه في اقتضاء الصراط المستقيم: أنه يتعين عليه البقاء ما دام هو لا يخشى على دينه حافظ لدينه مظهر لدينه مظهر للتوحيد والشعائر الصلوات ثم وجوده هناك مصلحة ظاهرة، وترك مقامه ببلاده فيه مفسدة على المسلمين في تلك البلاد ممن لتوه أسلم أو لغيرهم، فهذا ذهب العلماء إلى أنه يتعين عليه البقاء ما دام لا ضرر عليه.
الحال الثاني: من كان كذلك لكن ليس تركه لموطنه لا ضرر عليه، يمكن أن يقوم غيره بهذا ويمكن أيضاً أن يأتي إلى بلاد المسلمين ويكون انتفاعه هنا أكثر ولا ضرر على من يتركهم، لكن فيه مصلحة بلا ضرر، فهذا بقاؤه حسن وأولى.
الحالة الثالثة: إذا كان إنسان جاء لتجارة عارضة أو علاج ونحو ذلك فهذا إذا لم يتيسر في بلاد المسلمين بقاؤه جائز.
وخلاف ذلك لا يكون إلا محرماً، والعلماء يقولون: يجوز البقاء في بلاد الكفار بشروط ثلاثة: الشرط الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، وعنده دين يدفع به الشهوات، وحاجة تدعو إلى سفره، إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة جاز وإلا فينجو المسلم بنفسه وبدينه وأهله إذا كان أهله معه.
أما ما يتعلق بإعفاء اللحية، قلت أن هذا يبتني على هذا، فإذا كان هو لا يتيسر له البقاء في بلاد المسلمين، وعليه ضرر يؤذى في بلاد المسلمين مثلاً لسبب أو لأمر أو لا يمكنه إلا البقاء في هذا المكان وأُجبر على هذا الشيء، هو أعلم بحاله، إذا كان أُجبر على شيء، فالإكراه يكون عذر، أما إذا كان ليس هنالك إكراه إنما مسألة طلب رزق، يقول أنا أطلب الرزق في هذه الجهة ويترتب عليها حلق اللحية، ويختار هذا المكان لأن فيه مالاً أكثر أو تجارة أكثر ويمكن أن يتيسر له في باب آخر ومكان آخر مع المحافظة على دينه، لا يجوز له البقاء ما دام أن المسألة تدور على أمور تتعلق بأمور الدنيا ثم هناك تفاصيل أخرى، فالمسلم عليه أن يكون أهم ما لديه دينه، فرأس ماله دينه، ومن اتقى الله يسر الله له، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَايَحْتَسِبُ}(1) و((من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)) (2) كما صح عن الإمام أحمد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فييسر الله له أموره ويوسع له في رزقه ويبارك له فيه. سورة: الطلاق (2،3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة: الطلاق (2،3).
(2)أخرجه أحمد في « المسند » ( 5 / 78 و363 ) ، وهناد في « الزهد » ( رقم 938 ) ومن طريقه : أبو نعيم الأصبهاني في « حلية الأولياء » ( 1 / 253 )، ، والقضاعي في « مسند الشهاب » ( رقم 1135 )، والبيهقي في « شعب الإيمان » ( رقم 5748 ) من طريق : سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة وأبي الدهماء، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية، فقلنا : هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ؟ قال : نعم سمعته يقول : « إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه " .